على مسلك أفراد هذا المجتمع. وهم في سبيل تأمينها أو الحصول عليها ينهجون هذا النهج أو ذاك أو يتصلون بهذا الشعب أو ذاك، وقد يكون اتصالهم هذا وديا سليما، وقد يكون عنيفا يتخذ درجات متفاوتة من التصادم قد تصل إلى الحرب السافرة. كذلك فإن هوية المجتمع أو شخصيته تصبح, في هذا الصدد، قسمًا من أقسام الدراسة التاريخية لا يمكن تجاهله، متى بدأ هذا المجتمع في الظهور؛ فكرته عن الأصل الذي انحدر منه، الأساطير التي تحيط بهذا الأصل ومدى اقتناعه بها، تطلعاته وتصوراته وقدرته على المواءمة بينها وبين العالم الذي يعيش فيه ويحتك به، ومن ثم مدى استعداده لاستيعاب الحركة التاريخية والتطورات الحضارية أو مسايرتها أو حتى التخلف عنها.
وإذن فالباحث أمام وضع لا يجوز له فيه أن يقتصر على السجلات الحكومية التي تعبر عن أحوال فرد أو أفراد أو فئة أو طبقة حاكمة وما اختارت أن تسجله بطريقة أو أخرى عن أعمالها وعلاقاتها، وإنما لا بد له أن يضم إلى هذا المصدر مصادر أخرى من نوع آخر. وما دمنا نتحدث عن ذلك فليس أمامنا إلا ما تركه المجتمع بكل أفراده وطبقاته وطوائفه ليعبر به، في شكل أو في آخر، عن كل هذه الصور والظروف والمعاملات والعلاقات -وهنا يبرز دور الأدب كواحد من هذه المصادر الرئيسية، فمن خلاله يستطيع الفرد الذي أوتي مقدرة التعبير الأدبي، أن يرسم ملامح المجتمع الذي يحيط به، ومواقفه ومعاناته وآماله في صورة أو أخرى من الصور العديدة التي يتخذها الأدب لنفسه- وقد كان الشعر هو الصورة البارزة التي اتخذها الأدب العربي في عصر ما قبل الإسلام.
ولا يجوز لنا في هذا الصدد أن ننظر إلى تعبير الشاعر على أنه تعبير ذاتي فرد، مهما كانت الاعتبارات التي تغرينا، للوهلة الأولى, بهذه النظرة، فالشاعر جزء من المجتمع بكل ظروفه وتفاعلاته، وإذا كان التعبير الشعري