للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في تصوير حضارة المجتمع الذي كان يوجد في شبه الجزيرة في الفترة السابقة للإسلام. ولعل الفخار يصور هذه الحضارة أكثر من غيره من أنواع الآثار الأخرى. فالفخار في العصور القديمة كان السلعة أو الأداة التي تستخدم أكثر من أي شيء آخر في الحياة اليومية. فمذ كانت تصنع أواني الطعام، والأوعية اللازمة لحفظ أو تخزين بعض أنواع المؤن مثل الزيت والنبيذ، كما كانت تصنع المزهريات وأوعية البخور التي تستخدم في الطقوس الدينية سواء في المعابد أو في أماكن الاجتماعات، ومنه كذلك كانت تصنع بعض الدمى الصغيرة لأغراض دينية أو في الحياة اليومية. وعلى هذا فوجود كميات من الفخار في أحد المواقع يشير إلى أن هذا الموقع كانت توجد فيه حياة مستقرة وأنه لم يكن مجرد معبر أو محط تجاري، وبخاصة إذا وجد في المنطقة بقايا أثرية أخرى تدل على وجود مستوطنات أو قرى أو مناطق سكنية على قدر ظاهر من الاتساع. وسأختار في هذا الصدد مجموعتين من الفخار كُشف عنهما في منطقة ساحل الخليج في القسم الشرقي من شبه الجزيرة, وإحدى هاتين المجموعتين وجدت في موقع الدوسرية "على شاطئ الخليج جنوبي الجبيل" وفي بعض المواقع القريبة منها. وفي هذه المواقع عثر على بقايا فخار ينتمي من حيث طرازه وطريقة حرقه وألوانه وزخرفته إلى المرحلة الحضارية التي عرفت باسم ثقافة "العُبَيْد" "نسبةً إلى موقع العبيد قرب الطرف الجنوبي للعراق" التي عرفتها منطقة وادي الرافدين حوالي ٤٠٠٠-٣٥٠٠ق. م١٤. وهذه المجموعة، بوصفها هذا، تعتبر مؤشرا آخر "إلى جانب ما رأيناه في مجال النحت" إلى الصلة الحضارية الوثيقة, تأثرا أو تأثيرا، مع هذه المرحلة الحضارية المبكرة في وادي الرافدين. وهذا بدوره معناه صلة من نوع ما قد تكون صلة تجارية أو هجرة بشرية مثلا. أما الثانية فقد وجدت في موقع "تاج" "غربي الجبيل نحو الداخل" وفي جزيرة تاروت وهي أوعية فخارية


١٤ راجع لوحتي ١٣أ-ب.

<<  <   >  >>