للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على وجهيها، ومن هنا فإن زيادة حرف النون السبئية يشكل تطورا لهذا الوضع، وأفترض في هذا الصدد أن تكون العملة السبئية قد ابتدأت بمحاكاة كاملة للعملة الأثينية في القرن الرابع ق. م. ثم وصلت إلى الرسوخ الذي يعكس ازدهارا اقتصاديا واضحا مكَّن سبأ من أن تزيد في عملتها هذا الملمح الذي يعبر عن تطور محلي١٧.

أما المثال الثاني الذي أعرض له في مجال الحديث عن العملة كمصدر من مصادر تاريخ شبه الجزيرة العربية في العصور السابقة للإسلام فهو قطعة برونزية سبئية كذلك، تظهر على وجهها صورة لرأس رجل وخلفه شكل صغير يبدو كأنه قرص شمس ثم علامة شخصية، أما ظهرها فتظهر عليه صورة رأس رجل "يبدو من ملامحه ومن طريقة تصفيف الشعر أنها للرجل نفسه" وإلى جانبها نقش بالخط السبئي يقرأ: كرب إلى وتر. ونحن نجد في هذه القطعة من العملة تطورا عن العملة السابقة, فالوجه المرسوم لم يعد مجرد تقليد لوجه مرسوم على عملة أجنبية، وإنما أصبح الآن وجها للحاكم ذاته، والنقش الموجود لم يعد محاكاة لخط أجنبي ليس له معنى بالنسبة لسكان أو حتى لتجار المنطقة، وإنما أصبح اسمًا لملك المنطقة متكوبًا بلغة المنطقة وخطها؛ ومن ثم فإن هذه القطعة من العملة لا بد أن يكون تاريخها لاحقا للعملة السابقة. وهذه الحقيقة في حد ذاتها تساعدنا إلى حد ما في التعرف على شخصية الملك الذي تحمل العملة صورته. فنحن نعرف من النقوش التي وصلت إلينا اسم ملكين سبئيين يحملان نفس الاسم: أحدهما كرب إل وتر "بن ذمر علي بين",


١٧ يرد اسما الملكين نشاكرب يهنعم ونصر يهنعم في قائمة فلبي philby للملوك السبئيين التي أوردها جواد علي: ذاته، ج٢، ص٣٥٠. عن العثور على عملة أثينية بكميات وفيرة خارج أثينا "القسم الجنوبي من آسيا الصغرى، وصقلية، وسورية، ومصر" منذ الفترة التالية لأوائل القرن الخامس راجع:
C.M Craay and m. hirmer: greek coins, p. ٣٢٤.

<<  <   >  >>