كانت سائدة في ذلك الوقت. ودون دخول في التفاصيل فقد كان هناك صراع سياسي اقتصادي ديني متعدد الأطراف, ظهر فيه البيزنطيون والفرس والحبش واليمنيون ووجود وفاق أو خلاف بين هؤلاء الأطراف كان أمرًا يخضع لكثير من التغير من ظرف إلى ظرف، ومن هنا فإن احتكاكا أو اتصالا بين ملك اليمن وملك الحيرة "الذي كان تابعا للإمبراطور الفارسي" كان أمرا واردا.
والنقش الثاني واحد من عدد كبير من النقوش تشير إلى العرب أو إلى شبه الجزيرة العربية، عثر عليها بين السجلات الخاصة بملوك الدولة الآشورية والدولة البابلية الحديثة، ويعود أولها إلى عهد الملك الآشوري شلمنصر الثالث "٨٥٨-٨٢٤ ق. م" وآخرها إلى عهد نابونائيد "٥٥٥-٥٣٩ ق. م" آخر ملوك الدولة البابلية الحديثة. والنقش الذي نحن بصدد الحديث عنه يرجع إلى عصر الملك آشور بانيبال "٦٦٨-٦٣٣ ق. م" وفي هذا النقش يتحدث الملك عن حملة قام بها ضد "يواتع ملك العربية" ويذكر أنه قام بهذه الحملة ضده لأن يواتع قد تجاهله ولم يرسل له الجزية المقررة عليه. وبعد أن يصف آشور بانيبال سير الحملة وتفاصيل المعركة يختم نقشه بأن يذكر أنه انتصر على يواتع وسكان العربية الذين ثاروا معه وأنه سحق هؤلاء الثوار وأحرق خيامهم. أما يواتع نفسه فقد فر إلى أرض النبط٢٥. والنقش يلقي ضوءًا على التيارات التي كانت سائدة في شمالي شبه الجزيرة العربية في ذلك الوقت، وهي منطقة أصبحت معبرا بين الدولة الآشورية واتجاه توسعها نحو سورية. ويبدو من النص أن العرب في هذه المنطقة العبورية كانوا قد اعترفوا بنوع من التبعية للملوك الآشوريين، ولكنها لم تكن تبعية لينة العريكة، وإنما كان فيها شد وجذب من حين إلى حين، كما يظهر لنا كذلك أن هذا الملك العربي الذي ربما كان مجرد شيخ لقبيلة قوية أو رئيسا