ما تقدمه لنا النقوش، هو أن نطمئن إليها إذا كانت تتحدث عن مسائل في الحياة اليومية العادية، كتسجيل عقار، أو صفقة تجارية, أو الإشارة إلى قانون, أو تقديم قربان لإله أو لعدد من الآلهة. ولكننا يجب أن نكون على شيء من الحذر إذا كان النقش يشير إلى ملك أو حاكم يتحدث عن منجزاته وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق بانتصارت أحرزها على خصومه أو أعدائه، فالملوك أو الحكام في العصر القديم "وفي الواقع كل العصور" يميلون إلى المبالغة في تمجيد أنفسهم وأعمالهم إذا كان الحكم فرديا. وعلى سبيل المثال فإننا حين نسمع من أحد النصوص الآشورية التي تخص علاقة الآشوريين بالعرب أن الملك تجلات بيليسر الثالث "٧٤٤-٧٢٧ ق. م" قد اجتاح ١٥ مدينة للملك إيديبعلي العربي، فإننا يجب أن نتوقف قليلا، فهذه "المدن" قد لا تكون في الواقع أكثر من تجمعات بسيطة من الخيام. كذلك حين يذكر هذا الملك ذاته أنه قتل "ربما يقصد غَنَمًا" من الملكة سمسي، ملكة بلاد العرب، ٣٠ ألف جمل فإننا يجب أن نتوقف مرة أخرى؛ فالملكة سمسي ليست ملكة لكل بلاد العرب، وإنما هي رئيسة لقبيلة أو ربما لعدد من القبائل المتحالفة على أكثر تقدير، و٣٠ ألف جمل هو عدد مبالغ فيه دون شك في مثل هذه الدائرة الضيقة٢٧. ولكن هذه المبالغات، التي هي في الواقع من طبيعة
٢٧ نص الملك تجلات بيليسر الثالث في anet، ص٢٨٤, وتبدو المبالغة في عدد ٣٠ ألف من الجمال إذا قارناه بنص آخر من عهد الملك سنحاريب "٧٠٤-٦٨١" arab ج٢، ص١٥٨, نص رقم ٣٥٨، وفيه نجد هذا الملك يغنم من ملكة عربية ألف جمل فقط، كذلك نجد نصا من عهد الملك أسرحدون "٦٨٠-٦٦٩ ق. م." anet ص ٢٩٢، يتحدث بأرقام مختلفة هي ٥٠ جملا و ٦٥ جملا، ورغم أن هذه الأرقام الأخيرة هي مجرد زيادة فوق الجزية المقررة على ملكة وعلى ملك، إلا أنها مع ذلك لا يمكن أن تتناسب مع عدد من الجمال يزيد كثيرًا عن الألف.