ولكن على عكس ذلك كانت الظروف الجغرافية في منطقة نشوء الحضارات. لقد كانت هذه المنطقة تقع في مكان وسط بين الظروف الجغرافية القاسية, سواء بسبب الزحف الجليدي في المنطقة الشمالية، أو بسبب الهطول المستمر للأمطار السيلية الغزيرة في المنطقة الاستوائية. وهكذا تمتعت بمناخ معتدل نسبيا لا يعوق النشاط الإيجابي للمجموعات البشرية التي تقطنها، ومن ثم كان تحرك هذه المجموعات لا ينصرف كله إلى مجرد الاحتماء من الظروف الجغرافية القاسية، وإنما أصبح المجال مفتوحا لما يمكن أن نسميه الحوار بين هذه المجموعات البشرية وظروف البيئة التي تحيط بها، تتغلب على صعوباتها تارة وتنتفع بميزاتها تارة أخرى؛ ومن ثَمَّ كانت الإنجازات الحضارية الأولى.