للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجيل، أو التي تطغى فيها الرواية على التدوين الكتابي للشعر، أو حتى إذا سارت جبنا إلى جنب مع هذا التدوين.

وأسوق على هذا مثالين, أحدهما هو الإلياذة والأوديسية المنسوبتان إلى هوميروس, وهما ترجعان إلى أواسط القرن التاسع ق. م. ومع ذلك فقد انتقلتا عن طريق الرواية عبر ما يقرب من قرنين أو ربما أكثر من ذلك قبل أن يتم تدوينهما بصورة نهائية. بل إن الملحمتين ذاتهما حين تمت صياغتهما في أواسط القرن التاسع ق. م. كانت هذه الصياغة لا تزيد كثيرا على إعطاء حبكة فنية وأدبية لمقطوعات شعرية قيلت على مدى ثلاثة قرون أخرى قبل ذلك١٦. أما المثل الثاني فهو قصائد شكسبير التي لا تزال نسبة عدد مما تضمه من مقطوعات وقصائد إلى الشاعر موضع نقاش حتى الآن، رغم أن الفترة التي كتب فيها شكسبير "الشطر الأخير من القرن السادس عشر وأوائل القرن الذي يليه" كان التسجيل الكتابي هو الوسيلة الأساسية للتدوين دون منازع.

وأنتقل الآن إلى مناقشة الأدلة والشواهد التي ينكر أصحابها وجود الشعر الجاهلي مبتدئًا بتلك التي تتعلق باللغة من حيث إنه كان في الجزيرة العربية قبل الإسلام لغتان أساسيتان هما: لغة القبائل الشمالية بلهجاتها في الشمال واللغة الحِمْيَرية في الجنوب, وهو أمر يستغرب معه ورود الشعر الجاهلي بلغة قبائل


١٦ تمت صياغة الملحمتين في أواسط القرن التاسع ق. م. ولم تنتشر الكتابة في بلاد اليونان بشكل مبدئي إلا في أواسط القرن الذي يليه، راجع حاشيتي ١ و٢ أعلاه، ولنا أن نفترض مرور قرن آخر قبل أن نتصور انتشارًا في الكتابة واهتمامًا بالقراءة يسوِّغ تدوين الملحمتين. راجع مسألة تدوينهما في أواسط القرن السادس ق. م. على عهد الطاغية الأثيني بيزستراتوس في، j.b. bury: a hIstory of greece لندن، ١٩٤٥، ط٢، ص١٩٨. عن صياغة الملحمتين من مقطوعات شعرية تُدُووِلت شفاهًا عبر ثلاثة قرون سابقة لذلك، راجع حاشية ١ أعلاه.

<<  <   >  >>