المرشحة لأن تكون هذه اللغة طالما أن مكة هي نقطة التوقف والمحط التجاري الأساسي للقوافل الآتية من الشمال والجنوب والشرق, وهي التي تتم فيها الصفقات والمعاملات والخدمات وما يستتبعه كل هذا من بعض الشعائر الدينية أو الابتهالات أو التضحيات التي يقوم بها هؤلاء التجار تقربا من معبوداتهم والتماسًا لمباركة هذه الآلهة عند الكعبة التي كانت تقوم بساحة هذه المدينة لا تفرق بين واحد أو آخر من هذه المعبودات.
أما الشاهد الثاني، فهو أن انتشار لغة عن طريق التجارة أمر له سابقة قوية في تاريخ منطقة الشرق الأدنى، وأشير هنا إلى اللغة الآرامية التي حملها التجار الآراميون من دمشق منذ أواسط القرن الثامن الميلادي لتنتشر حتى تصبح اللغة السائدة في منطقة الهلال الخصيب. لقد دخلت هذه اللغة منطقة آشور ليصبح المتحدثون بها من الآشوريين أكثر من المتحدثين باللغة الآشورية نفسها، واستمرت كذلك بعد سقوط الدولة الآشورية "٦١٢ ق. م" وقيام الدولة البابلية الحديثة على أنقاضها. كذلك بلغ من انتشار هذه اللغة في منطقة الهلال الخصيب أن اتخذها الفرس لغة رسمية للمعاملات الإدارية في أثناء سيطرة الإمبراطورية الفارسية على هذه المنطقة ابتداء من أوائل القرن السادس ق. م "٥٣٠ ق. م. وما بعدها". بل لقد بلغت كثافة هذا الانتشار أن حلت بين العبرانيين كلغة للتداول والتفاهم محل لغتهم العبرية. ويكفي دليلًا على ذلك أنها كانت اللغة التي اتخذها السيد المسيح للتبشير بدعوته بين قومه من العبرانيين١٩. وقد كان أحد الأسباب الرئيسية في انتشار اللغة الآرامية بين شعوب منطقة الهلال الخصيب أن لغات هذه الشعوب كانت سامية ومن ثم من فصيلة هذه اللغة. فإذا كان الأمر كذلك، فإنه يصبح واردا بشكل أكثر وأقوى أن يطغى قسم من اللغة العربية على قسم آخر من اللغة نفسها إذا توفر