للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف الإسلام الذي كان من المنطقي أن يتخذ موقفا متشددا إزاء كل ما يتصل بالوثنية أو يذكر بها أو يغري بالعودة إليها، ومن بين ذلك مواضع الشعر التي تمجِّد الوثنية وتتغنى بها، ومن ثم فلنا أن نتصور أن أي أبيات وردت فيها إشارات واضحة إلى العقائد أو الممارسات الدينية الجاهلية كان من الطبيعي أن تُسقَط من رواية الشعر الجاهلي بعد ظهور الإسلام، وهو موقف يمكن أن نجد له شبيها في ابتعاد الفن العربي في العصر الإسلامي عن النحت خشية أن تذكِّر التماثيل المنحوتة بأوثان الجاهلية، مع أن هذا الفن كان موجودا ومزدهرا في عدد من أقسام شبه الجزيرة العربية لفترات طويلة في المرحلة السابقة للإسلام ج.

على أن الأمر لا يقف عند هذا في الرد على منكري أصالة الشعر الجاهلي من هذا الجانب, فاختفاء الإشارة الظاهرة المباشرة إلى العقائد والممارسات الوثنية في الشعر الجاهلي ليس دليلا على خلو هذا الشعر منها. وفي هذا الصدد فإن الشعر، أي شعر، لا يمكن تفسيره على أنه تعبير حسي مباشر عن الأشياء والكائنات والمشاعر، فالشاعر ابن بيئته بكل ما لها من أبعاد، سواء في ذلك البعد المادي أو الحسي الذي يتمثل في العالم المحسوس المباشر أو البعد السيكولوجي الذي يتمثل في التركيب


= دوار في معلقة امرئ القيس "المجاني، المعلقة، بيت٦٢":
فعَنَّ لنا سرب كأن نعاجه ... عذارى دوار في ملاء مذيل
وعند عامر بن الطفيل "المجاني، قصيدة يوم فيف الريح, بيت ٩":
وقد علموا أني أكرُّ عليهمو ... عشية فيف الريح كر المدور
وعند ميَّة بنت أم عتبة في وصف الشمس بالآلهة "ونسب كذلك لواحدة من ثلاث نساء غيرها"، لسان العرب، مادة: لاه، تاج العروس، ٣٧٤:٩:
تروحنا من اللعباء عصرا ... فأعجلنا الآلهة أن تئوبا
ج راجع الحديث عن النحت في الباب الرابع من هذه الدراسة.

<<  <   >  >>