للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما تعني الجهل بما جاء في الكتب السماوية من قيم روحية وأخلاقية واجتماعية, والنصف الثاني من الآية يشير إلى هذا المعنى بشكل واضح، وهو معنى يؤكده القرآن في ثلاث آيات أخرى يفرق فيها بين أهل الكتاب وبين الأميين, وفي إحدى هذه الآيات يزيد على هذه التفرقة إشارة مباشرة إلى أن بعض هؤلاء "الأميين" كانوا يكتبون {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ, فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} ٣٦.

وفي الواقع فإن ممارسة الكتابة في المجتمع الجاهلي أمر يؤكده القرآن بشكل متكرر متواتر، والقرآن الكريم إلى جانب وصفه ككتاب من عند الله لا يرقى الشك إلى ما جاء فيه، هو كذلك وثيقة ظهرت في هذا المجتمع الجاهلي وكانت آياته تدون في عهد الرسول أي: في وقت نزولها كما جمعت هذه الآيات المدونة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بعد سنوات من موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا يقتصر القرآن على الإشارة إلى الكتابة ولكنه يشير إلى الكتب والكتاب وما كانوا يتخذونه من أدوات الكتابة. وفي هذا الصدد يرد ذكر الكتابة ٥١ مرة, وسطور الكتابة ثلاث مرات، والكتاب ٢٦١ مرة، والكتَّاب مرتين, والقلم ثلاث مرات؛ منها مرة يقسم فيها به وتسمى سورة باسمه، والصحف ثماني مرات والرق الذي يكتب عليه مرة واحدة٣٧.

وأبادر هنا فأقول: إننا لا نستطيع أن نقول: إن هذه الممارسة للكتابة في العصر الجاهلي كانت أمرا شائعا في كل أقسام المجتمع. ففي مجال المعاملات التجارية يذكر القرآن {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وهي إشارة تدل


٣٦ سورة البقرة: ٧٨-٧٩، والآيتان الأخريان في سورة آل عمران: ٢٠ و٧٥.
٣٧ راجع بعض هذه الإشارات في الباب الخاص بالمصادر الدينية من هذه الدراسة، وحاشية ٢٢ من الباب ذاته.

<<  <   >  >>