الخطوط التجارية نشطة بين هاتين المنطقتين ومن ثم يصبح استيراد مثل هذه الثياب أمرا واردا وهكذا.
والملاحظة الثانية التي أود أن أوردها في مجال الاعتماد على الشعر الجاهلي كمصدر لأحوال شبه الجزيرة في العصر السابق للإسلام, هي أن رغم كل ما ثبت لنا من أن الشعر الجاهلي وجد وازدهر ولم يكن منحولا في فترة لاحقة للعصر الجاهلي، إلا أن هذا لا يعني أن كل قصيدة وردت في هذا الشعر هي قصيدة أصيلة, أو أن كل بيت من أبيات هذه القصائد هو بيت أصيل بالضرورة، فاحتمال التغيير أو الزيادة في الأبيات أو في القصائد يظل أمرا محتملا، ومن ثم يجب أن يدخل الاعتبار, والسبيل المعقولة التي نقترب بها من الاطمئنان في هذا الصدد هي مقارنة هذا الشعر ببعضه حتى يكتسب الباحث تصورا عاما للمجتمع الجاهلي تتواتر فيه إشارات أو أبعاد معينة فيصبح ما يتواءم معها أصيلًا وما لا يتواءم معها دخيلًا أو منحولًا أو على الأقل يجب التوقف عنده تحقيقا وتمحيصا.
أما الملاحظة الثالثة فهي تخص ما سبق أن أشرت إليه في بداية الحديث من المبالغة المنتظرة في الشعر سواء أكان هذا شعرًا يخص المجتمع العربي الجاهلي أم في الواقع أي مجتمع آخر. وأود هنا أن أضيف كلمة أو كلمتين تخص معنى المبالغة, ففي بعض الأحيان تكون هذه المبالغة من النوع العادي الذي يسهل إدراكه بشيء من الاحتراس، كما هو الحال، مثلًا، في قول عمرو بن كلثوم:
ملأنا البر حتى ضاق عنا ... ونحن البحر نملؤه سفينا
بينما نعرف أن القرن السادس الميلادي الذي ظهر فيه عمرو بن كلثوم كزعيم لقبيلته تغلب لم يكن في الواقع فترة ازدهار بالنسبة للنشاط البحري