للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أساسية في حياة الرعاة. فالجمل، كما مر بنا في حديث سابق١، له صفات تلائم هذه الطبيعة الجغرافية أكثر من غيره، أهمها: الصبر على العطش لأيام طويلة، وثانيتها: قدرته على السير في المناطق الرملية بسبب طبيعة التكوين الإسفنجي التي تتميز بها أخفافه مما يعطيه ميزة في هذا المجال على غيره من الدواب، وثالثة هذه الصفات: قدرته الفائقة على نقل قدر من الأحمال تعجز عن نقلها هذه الدواب الأخرى، وهكذا كانت الإبل الحليف الأول لرعاة البادية في تنقلهم، ومن حليبها ولحمها وإلى جانب ما يحصلون عليه من تمر من هنا وهناك, كان غذاؤهم الرئيسي. أما الأماكن الغنية بالعشب القريبة من الماء والواقعة على حواف السهول الزراعية، سواء على تخوم وادي الرافدين أو المنطقة السورية أو اليمن، فكان يكثر فيها رعي الغنم أساسًا، والخيول والماشية في بعض الأحيان؛ بسبب افتقار هذه الدواب لميزات الإبل، سواء فيما يخص تحمل العطش أو القدرة على السير في المناطق الرملية لمسافات طويلة أو على نقل أحمال ثقيلة.

وقد كانت أرض المراعي مشاعًا بين القبيلة حيثما تستقر في مناطق العشب لفترة تطول أو تقصر، وهو أمر أملته ظروف الطبيعة والتعايش معها، وهكذا أصبح قانونا ملازما لرعاة البادية سواء في العصور السابقة للإسلام أو حتى بعد ظهور الإسلام حيث نجده ينعكس في حديث للرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ". ولكن هذه الملكية العامة أو المشاع لم تمنع من وجود أراضٍ بداخلها تدخل في نطاق الملكية الخاصة "طوال الفترة التي توجد فيها القبيلة في منطقة أو أخرى من مناطق العشب", هذه الأراضي هي "الأحماء" التي كان الانتفاع بها قاصرا على بعض أفراد أو مجموعات القبيلة، كل حمى منها يدخل في نفوذ زعيم أو آخر هو وأتباعه من زعماء القبيلة، ترعى إبله فيها وحدها، إلى جانب الانتفاع بأراضي الرعي


١ راجع الباب الثالث من هذه الدراسة، الخاص بالملامح الجغرافية.

<<  <   >  >>