للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مرورها في هذه الطرق. وفي هذا الصدد يذكر لنا الكاتب اليوناني أرتميدوروس في أوائل القرن الأول ق. م. مشيرا إلى قوافل البخور والطيوب الآتية من جنوبي شبه الجزيرة أن "سكان كل منطقة كانوا يسلمونها لسكان المنطقة التي تليهم حتى تصل "هذه القوافل" إلى سورية"٤ -وواضح أن حديث الكاتب يشير إلى إرشاد هذه القوافل وخدمتها وحمايتها في أثناء عبورها في أرض كل قبيلة لقاء مقابل مادي لذلك.

أما الدور الثالث الذي كان يقوم به رعاة البادية كمورد مساعد لموردهم الاقتصادي الأساسي "وهو الرعي" فقد كان الوساطة بين البادية والحضر, وهو دور كان يتطور في بعض الأحيان ليصل إلى حجم أكبر بكثير من الحجم الذي ابتدأ به. وقد كان الرعاة الذين يقومون بهذه الوساطة هم أهل البوادي التي تتاخم المناطق السهلية الواسعة الخصبة أو التي على قدر من الخصوبة والتي كانت تقوم بها الدول المتاخمة للصحراء سواء في وادي الرافدين أو المنطقة السورية. حقيقة إن حكومات هذه الدول كانت تحترس من غارات أهل البادية بإقامة مناطق للحراسة، ولكن كان يسمح لهؤلاء البدو بالقيام بنوع من التبادل التجاري مع المدن الواقعة عند الحدود, يحملون إليها بعض نتاج البادية من الأغنام أو وبر الجمال الذي يصلح لبعض أنواع النسيج ليبادلوا بها بعض السلع التي يحتاج إليها أهل البادية، وفي بعض الأحيان يتطور هذا التعامل، على نحو ما أشرت في حديث سابق، فيحصل هؤلاء البدو على نوع من الإقامة في بعض الأراضي الواقعة على حدود الدولة، وقد يزاولون الزراعة أو بعض المهن في هذه الأراضي، كما قد ينخرطون كجند مرتزقة في قوات هذه الدولة٥. وقد وصل حجم هذه الوساطة إلى ذروته حين كانت الدول


٤ منقول في: strabo: XVI,٤:١٩, وقد اشتهر أرتميدوروس بين ١٠٤, و١٠١ق. م.
٥ راجع الباب الثاني من هذه الدراسة, الخاص بالساميين وشبه الجزيرة والعرب.

<<  <   >  >>