المنطقة تشير إلى تقدم فن المعمار وإلى تنظيم واضح في مجال الأمور الداخلية للبلاد وإلى معرفة بالكتابة والخط المتطور كما تشير إلى نشاط خارجي تجاري وعسكري وسياسي, وكلها أمور تركت بعض التأثيرات الحضارية في الأماكن التي اتصلت بها هذه المنطقة أو امتد إليها نفوذها، إلا أن الأثر الحضاري الكبير، وهو ما يمكن أن نسميه بالدور الحضاري, لم يظهر سواء في القسم الجنوبي الغربي من شبه جزيرة العرب أو في بقية أنحاء شبه الجزيرة إلا بعد ذلك بما يقرب من خمسة عشر قرنا.
لقد بدأ هذا الدور الحضاري المؤثر لشبه جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي على أثر ظهور الدعوة الإسلامية وانطلاق الفتوح العربية من شبه الجزيرة وعبر عن نفسه في ثلاثة تيارات متواكبة، تركت أثرها واضحًا على المسار التاريخي والحضاري آنذاك, ولا زال هذا الأثر مستمرا حتى الآن. وتمثل أحد هذه التيارات في نشر الدين الإسلامي وانتشاره بين مجموعات بشرية تمثل كل العناصر تقريبا وتنتشر في مناطق تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى جزر أندونيسية شرقا، وهو دين لا يقتصر على الجانب الروحي وإنما يشمل إلى جانبه طرقًا للتعامل تشكل أسلوبًا للحياة يمارسه في الوقت الحاضر أكثر من ٤٥٠ مليون شخص. والتيار الثاني كان حركة التعريب التي انتهت بأن أصبحت اللغة العربية هي لغة الحياة اليومية والرسمية في المناطق التي تمتد عبرها مناطق تضم ما يقرب من مائة مليون شخص. أما التيار الثالث فهو الحركة العلمية والثقافية النشطة التي قام بها العرب أو شجعوا عليها وهيئوا لها الأجواء