وتبقى في نهاية الحديث عن الطرق البرية العرضية طريق خامسة، هي الطريق التي تقع إلى أقصى الشمال في شبه الجزيرة العربية. وقد كانت هذه الطريق تشكل في الواقع امتدادًا صحراويًّا لطريق تجارية تبدأ من الرمادي "على نهر الفرات إلى شمالي غربي بغداد" وتسير بمحاذاة النهر حتى ماري mari "قرب أبو كمال الحالية على القسم الشمالي من نهر الفرات من ناحية الصحراء" ثم تمتد غربا إلى تدمر، ومن تدمر تمتد غربا بميل طفيف إلى الشمال الغربي إلى حمص، ومن هناك تتفرع إلى عدة فروع تصل بين حمص من جهة والموانئ الفينيقية ودمشق وفلسطين من الناحية الأخرى. وفي الواقع فإن هذه الطريق كانت حلقة الوصل فيها هي مدينة تدمر، هذه الواحة الغنية بالنخيل التي تقبع في وسط الصحراء، أما بقية الطريق الواقعة إلى شرقي تدمر أو غربيها، فكانت، رغم قصرها "فهي لا تزيد كثيرا على ٣٠٠ ميل" معرضة لغارات القبائل البدوية المتنقلة بالمنطقة المحيطة بها٤٤. ولكن مع ذلك فقد احتفظت هذه الطريق القديمة بأهميتها. كما احتفظت بالأهمية ذاتها كل الطرق الأخرى التي شقت بعد ذلك واتخذت من تدمر نقطة ارتكاز لها في الوصل بين طرفي الصحراء عند حدود كل من وادي الرافدين وسورية وأهمها طريق دقلديانوس STRATA DIOCLETIANS التي شقت في عهد هذا الإمبراطور "٢٨٤-٣٠٥م" بين دمشق في الجنوب الغربي وسرجيوبوليس sergiopolis "الرصافة" في الشمال الشرقي على مقربة من الفرات، بعد تدمير مدينة تدمر "٢٧٣م". أما السبب الذي أدى إلى أهمية هذه الطريق فله صفة سياسية، إلى جانب صفته التجارية. فالمنطقة، كما أسلفت، كانت تقطنها قبائل بدوية متنقلة تسبب كثيرا من القلق على الحدود السورية أو حدود وادي الرافدين. ومن ثم فقد كان موقع تدمر كنقطة تأمين للطريق ومن ثم إقرار للأمور أمرا واردا لأي من القوتين في شرقي الصحراء أو غربيها، وهكذا انتهى الأمر دائما بتأمين الطريق لهذا