للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يصنعون فيها شيئًا أكثر من ثقبها لكي يصنعوا منها عقودًا وأساورَ، أو أنهم يبيعونها "بسعر رخيص إلى جيرانهم، بسبب عدم مقدرتهم على صياغة الذهب"٦٩. وفي هذا دليل واضح على أن جيرانهم هؤلاء، وفي ترجيحي أنهم السبئيون أنفسهم حسبما يشير سياق الكلام عند هذا الكاتب، أكثر منهم مقدرةً على هذه الصياغة.

وفي الواقع فإننا نجد من الشواهد التي أسلفت الإشارة إليها أن أغلب نشاط التعدين والنشاط الصناعي عمومًا يكاد يكون مركزًا في اليمن حيث توجد منطقة سبأ والمناطق الأخرى المجاورة لها. وتفسير ذلك في رأيي أن هذه المناطق كانت أكثر استقرارًا من غيرها, ففي اليمن كانت ظروف التربة الخصبة والأمطار الموسمية المنتظمة تساعد على اقتصاد زراعي وافر وثابت. كذلك كانت مواردها الطبيعية من الطيوب مادة أولية ثابتة ومستمرة للتجارة، كما كان موقعها عند بدء الخطوط التجارية البرية إلى سورية ووادي الرافدين، وعند مفترق الطريق التجاري البحري بين البحر الأحمر والمحيط الهندي "ومن ثَمَّ بين تجارة الشرق والغرب" ما يجعلها في مأمن مما قد يصيب تجارة العبور من هزات تسببها الظروف الطارئة. وطبيعي أن مثل هذا الاستقرار يجعل في إمكان المجتمع الموجود بالمنطقة أن يقبل على النشاط الصناعي.

ولكن مع ذلك فيبدو أن الحجم الحقيقي للمصنوعات لم يكن بالقدر الذي قد تنتظره لأول وهلة. فرغم أن اليمن، على سبيل المثال، قد صدرت السيوف اليمانية وبعض أنواع النسيج إلى عدد من أقسام شبه الجزيرة، إلا أن تصدير هاتين السلعتين أو غيرهما من السلع المصنعة ظل قاصرًا على هذا الإطار المحلي ولم يعرف طريقه إلى الخارج, إذ لا نصادف في المصادر التي بين أيدينا ما يشير إلى ذلك. بل أكثر من هذا، فرغم الإشارات المتواترة إلى


٦٩ منقول في strabo: XVI, ٤: ١٨.

<<  <   >  >>