للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منصبه الملكي ومنصب الكاهن الأعلى أو "المكرب"، "المقرب، ربما من تقديم القرابين إلى الآلهة" في واحدة على الأقل من الممالك التي قامت في المنطقة، وهي مملكة سبأ في مرحلتها الأولى "من حوالي ٦١٠ إلى ١١٥ق. م"٢١. وهو وضع مغزاه، إذا أدخلنا في اعتبارنا أن الدين كان يعتبر الدعامة التي تعطي للنظام الملكي قاعدته الشرعية في العصر القديم بوجه عام، ولنا أن نتصور في ظل هذا الوضع أن يكون الحكم الملكي وراثيًّا كذلك، فهو أمر وارد في النظام الملكي وهو أمر أكثر ورودًا إذا كان الحكم الملكي من النوع الفردي المركزي.

ولكن يبدو أن هذا النظام الملكي الذي يقوم على الحكم الفردي المركزي "سواء في سبأ أو الملكيات الأخرى" لم يبق على ما كان عليه. ففي سبأ, على سبيل المثال، فقد الملك صلاحياته الدينية ابتداء من ١١٥ ق. م. لتتركز في أيدي رجال الدين الذين يبدو أنهم كانوا يشكلون طبقة لا يستهان بها إذا بنينا حكمنا على العدد الهائل من المعابد التي يذكر الكاتب الروماني بلينيوس أنها كانت موجودة في بعض مدن المنطقة في أواسط القرن الأول الميلادي، وهي فترة غير متأخرة كثيرا عن التاريخ المذكور. كذلك يذكر لنا سترابون "أواخر القرن الأول ق. م وأوائل القرن الأول الميلادي" أن النظام الملكي لم يكن وراثيًّا آنذاك فيقول في هذا المجال: إن ابن مالك لم يكن هو الذي كان يخلفه على العرش وإنما أحد أفراد الأعيان "أو الطبقة الأرستقراطية"٢٢، وبذلك تكون ركيزة الوراثة قد انتزعت كذلك من صلاحيات النظام الملكي.

ومثل هذا التطور ليس في الواقع شيئًا معدوم النظير في العصور القديمة، فقد عرفته الدويلات اليونانية حوالي القرن الثامن في المرحلة التي عاصرت


٢١ hitti: ذاته ص٥٢.
٢٢ انتزاع السلطة الدينية من الملك في hitti: ذاته، ص٥٤، كثرة عدد المعابد في plinius: HN, VI, ١٥٣ نظام اعتلاء العرش في strabo: XVI, ٤:٣.

<<  <   >  >>