للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجنوبية, وكان أهم هذه الكواكب هو الثالوث الذي يمثله القمر والشمس والزهراء, وكان الأول بين أركان هذا الثالوث هو القمر الذي عرفه السبئيون باسم "المقه" والمعينيون باسم "ودّ" "ربما تعني الحب أو المحب أو الأب" والحضرميون باسم "سن" والقتبانيون باسم "عم" "أي العم". وكانت زوجته الإلهية هي الشمس التي أطلقت عليها تسمية "ذات حمم" عند السبئيين و"نكرح" عند المعينيين ثم ابنهما الإلهي الذي عرف عند المعينيين باسم "عثتر" وهو كوكب الزهراء٤١.

وعبادة هذا الثالوث من الكواكب تمثل في حقيقة الأمر تداخلًا بين مرحتلين من مراحل تطور المجتمع. فعبادة القمر والزهراء هي عبادات مجتمع رعي في المقام الأول، فالانتقال في البادية, حيث يحدث أن تتشابه الاتجاهات وبخاصة في الليل، يكون فيه ضوء القمر وسيلة لتوضيح المعالم والشيء ذاته، بالنسبة لكوكب الزهراء الذي يمكن التعرف على الوقت والاتجاه من خلاله، ولكن ربما كانت القيمة الأساسية هي أن القمر بالذات يرمز إلى فترة الليل حيث تهبط درجة الحرارة وتتكثف الأبخرة الموجودة في الجو لتتحول إلى ندى يبعث الحياة في العشب الذي تتكون منه المراعي، بينما ينظر البدوي إلى الشمس على أنها عدوه الأول حيث تحرق بشواظها الذي ينبعث مع أشعتها النارية هذا العشب, ومن ثم تدمر المقوم الأول للحياة الرعوية. هذا بينما أشعة الشمس بالنسبة للمجتمعات الزراعية هي التي تعطي النماء للزراعة وهي التي تنضج المحصول٤٢. وقد كانت العربية الجنوبية منطقة زراعية في المقام الأول، ولكنها عرفت شيئًا من الرعي كذلك في بعض مناطقها، وأكثر من ذلك فإن الرعي يمثل مرحلة مبكرة تظهر عادة في المجتمعات قبل مرحلة الزراعة التي تمثل بالضرورة مرحلة أكثر استقرارًا ومن ثم أكثر تطورًا.


٤١ جواد علي: ذاته، صفحات ١١٤-١١٥.
٤٢ hitti: ذاته، صفحات ٩٧-٩٨.

<<  <   >  >>