للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البتراء عاصمة المملكة ولكن توجد فيها كذلك مناطق صحراوية لا يجود فيها إلا الرعي. ولكن لنا أن نتصور هنا أن عددًا من العوامل أدى إلى انتصار عبادة الشمس، عبادة المجتمع الزراعي المستقر أساسا، رغم هذا التداخل الرعوي الزراعي. فالقسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية, حيث توجد هاتان المنطقتان, قريب من حضارتين زراعيتين مستقرتين ومتصل بهما وبما يستتبعه هذا من تأثيرات عن طريق طرق المواصلات التجارية، وهما حضارة مصر في الغرب حيث كان "رع" إله الشمس هو الإله الأول، وحضارة وادي الرافدين في الشرق حيث تطور المجتمع إلى مجتمع زراعي كثيف في المراحل اللاحقة للفترة السومرية "وقد عاصرت المملكتان، النبطية والتدمرية، مرحلة من هذه المراحل اللاحقة" حين أصبح "شَمَس" إله الشمس أحد الآلهة الرئيسة في مجمع الآلهة في وادي الرافدين.

كذلك فإن المنطقتين تقعان في القسم الشمالي لشبه الجزيرة العربية حيث تخف درجة الحرارة بشكل ملحوظ عما هو موجود في وسط شبه الجزيرة أو في جنوبها، ومن ثم لا تصبح الشمس عدوًّا يحرق الكلأ بالأشعة النارية. كذلك فإن المجتمع النبطي والمجتمع التدمري بثرائهما التجاري وما ترتب على ذلك من رخاء واستقرار عن طريق تحكمهما في مواقع حيوية على الخطوط التجارية البرية في شبه الجزيرة، كانا بالضرورة مجتمعين تنشط فيهما كافة أنواع المعاملات الخاصة بالتجارة وما يتصل بها من صفقات واتفاقات وأسواق وحسابات وخدمات تجعل الحياة اليومية خلية نشاط في وضح النهار وتصبح فيها الشمس صديقًا للتاجر وليست عدوًّا ينتظر غروبه ليأتي الليل بنسيمه وقمره ونداه الذي يحيي العشب.

وأود في ختام الحديث عن هذه المراحل الثلاث من التطور الديني في شبه الجزيرة, وقبل أن أنتقل إلى المرحلة الرابعة من هذا التطور

<<  <   >  >>