حين هاجم الإمبراطور الفارسي خسرو "كسرى" أنوشروان أراضي الإمبراطورية الرومانية فاجتاح سورية وأسقط أنطاكية ودمرها عن آخرها"٤٩، إلا أن ظروفًا جديدة كانت قد ظهرت في غضون القرن الثالث الميلادي أدت إلى اعتماد هاتين الإمبراطوريتين على إمارتين عربيتين حديتين, كل منهما تتبع قوة من القوتين الكبيرتين وتدافع عن حدود هذه القوة في مجابهة القوة الأخرى، وفي بعض الأحيان كان الأمر ينتهي بأن ينحصر الصراع بين هاتين الإمارتين نفسيهما, دفاعًا عن مصالح القوى الكبرى.
وقد انقسمت الظروف التي أدت إلى هذا الوضع إلى قسمين بعضها خارجي يخص الدولتين الكبيرتين, وبعضها داخلي يخص شبه الجزيرة. وفيما يخص الظروف الخارجية نجد أن كلًّا من هاتين القوتين شهد تغييرات في غضون القرن الثالث والذي يليه كان لها أثرها على اتجاه كل منهما. ففي الغرب كانت القبائل الجرمانية المتبربرة قد بدأت مواقعها ووقعها على حدود الإمبراطورية الرومانية وتلت ذلك فترة من التدهور انتهت بتقسيم الإمبراطورية من الناحية الفعلية في عهد الإمبراطور قسطنطين "٣٠٦-٣٣٧م" الذي اتخذ بيزنطة "على مداخل البحر الأسود" عاصمة له بعد أن أعاد تسميتها لتصبح القسطنطينية. ثم انتهى الأمر بتكريس رسمي لهذا التقسيم الفعلي في ٣٩٥م. كما شهدت هذه الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي بدأت تعرف باسم الإمبراطورية البيزنطية عددًا من الصراعات العسكرية على عرش الإمبراطورية أثر إلى حد ملموس على فاعليتها في مجال الصراع الخارجي. أما فيما يخص الإمبراطورية الفارسية فكانت قد شهدت اضطرابا داخليا حول الحكم انتهى بسقوط الأسرة الحاكمة الفرثية وقيام الأسرة الساسانية مكانها في ٢٢٦م لتنشغل بعد ذلك بعض الوقت في تثبيت دعائم حكمها في الداخل وسيطرتها على إمبراطوريتها في الخارج.