وتنفذها، وإن كانت الأمور لا تثبت دائمًا على هذا الوضع فتتخذ هذه الدولة مواقف تبدو فيها كأنها بدأت تعمل لحسابها.
ونحن نجد مثالًا على ذلك في حادثة الأخدود حين أحرق "ذو نواس" الملك الحميري اليهودي في ٥٢٣م عددًا كبيرًا من المسيحيين في فترة الصراع الديني الذي نشب بين المسيحية واليهودية في نجران. لقد أرسل المسيحيون يستنجدون بالإمبراطور البيزنطي يوستين "جستن justin" الأول الذي كان يعتبر نفسه حاميا للمسيحية والمسيحيين أينما وجدوا. لقد كتب يوستين إلى نجاشي الحبشة، وهو ملك أقرب دولة مسيحية للمنطقة ليخف لنجدة المسيحيين, وكان بذلك يعمل في حقيقة الأمر على مد نفوذه على العربية الجنوبية حتى يبعدها عن نفوذ الإمبراطورية الفارسية التي كانت تسعى جاهدة لأن تجد لنفسها موطأ لقدم في المنطقة. وقد تدخلت القوات الحبشية وانتصرت في مناسبتين؛ مرة في ٥٢٣م تحت قيادة أرباط، ومرة في ٥٢٥م تحت قيادة أبرهة. ولكن الأحباش الذين دخلوا كمنجدين بقوا كمستعمرين لمدة نصف قرن حتى ٥٧٥م٥٢.
وقد شهد هذا العام تكملة، ولكن من الجانب الآخر، لهذا الصراع الديني السياسي المتداخل الذي عرفته العلاقات العربية في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها. فنحن نسمع في ذلك العام عن حركة وطنية يقودها سيف بن ذي يزن وهو من سلالة البيت الحاكم الحميري قبل الاستعمار الحبشي، وفي هذه الحركة يحاول هذا الأمير أن يستنجد بالإمبراطور البيزنطي لإنهاء الحكم الحبشي، ولكن دون جدوى، فسياسة بيزنطة هي محاولة احتواء العربية الجنوبية عن طريق دولة مسيحية صديقة حتى تبعد المنطقة عن النفوذ الفارسي. وهنا يتوجه الأمير العربي حيث ينجح، عن طريق أمير الحيرة في الحصول