غزوا بلاد اليونان والمناطق المتأثرة بالحضارة اليونانية على امتداد القرون الأخيرة قبل الميلاد, ومع ذلك فإن الحضارة اليونانية هي التي غزت الرومان طوال هذه القرون وبعد هذه القرون غزوًا يكاد يكون كاملا, سواء من جانب العلم أو الأدب أو الفلسفة أو المسرح أو الفن في كافة صوره، بل إنه رغم احتفاظ الرومان بلغتهم اللاتينية وتطويرها إلى مستوى النثر الفني والكتابة الفكرية الراقية إلا أن اللغة اليونانية بقيت رغم ذلك لغة الثقافة الأولى التي لا يستغني أديب أو خطيب أو مفكر أو سياسي روماني عن دراستها والتعمق فيها. والشيء ذاته يقال عن الفترة التي بدأت فيها الإمبراطورية الرومانية تترنح تحت ضربات القبائل الجرمانية المتبربرة القادمة من الشمال. لقد استمرت هذه الضربات نحو قرن من الزمان انتهت بسقوط روما "٤١٠م" ثم بإزاحة آخر الأباطرة الرومان عن العرش الروماني "٤٧٦م" وبقيام الممالك التي أسسها البرابرة قبل وبعد هذا التاريخ على أنقاض الإمبراطورية الرومانية، ولكن مع ذلك فإن الحضارة الرومانية هي التي غزت هذه الممالك ثقافة وفنًّا وتأثيرًا, لغة ودينًا١٢.
ومن هنا فالاحتمال قائم، فيما يخص سبأ والحبشة، أن الخط المسند قد يكون تأثيرا سبئيا على الحبشة وليس العكس، وأن التأثير اللغوي قد سار في الطريق ذاته، والشيء ذاته يمكن أن يقال عن التأثير الديني الذي يرمز إليه الإله "إلْمَقَهْ" الذي لا يوجد من الأدلة القاطعة ما يثبت أنه كان بالضرورة حبشيا. كذلك فمن الأمور الواردة، إن لم يكن من الأمور المرجحة، أن يكون الأثر الذي تركته الديانتان اليهودية والمسيحية قد قرب ثقافة الحبشة من
١٢ عن التأثير الحضاري اليوناني على الإمبراطورية الرومانية راجع: m.cary &t.haarhoff: life and thought: in the greek"london ١٩٦١" and roman world. عن التأثير الروماني على البرابرة راجع breasted: المرجع ذاته، صفحات ٧٦٩ وما بعدها.