للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦ - وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خده وربما سقط صريعاً وربما أغمي عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، ومن تأمل هذه المفاسد عرف مقدار ما اشتملت عليه هذه الكلمة اللطيفة من قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" من الحكمة واستجلاب المصلحة في درء المفسدة مما يتعذر إحصاؤه والوقوف على نهايته، وهذا كله في الغضب الدنيوي لا الغضب الديني كما تقدم تقريره في الباب الذي قبله" (١).

٧ - وقال ابن حجر: " ويعين على ترك الغضب استحضار ما جاء في كظم الغيظ من الفضل، وما جاء في عاقبة ثمرة الغضب من الوعيد، وأن يستعيذ من الشيطان كما تقدم في حديث سليمان بن صرد، وأن يتوضأ كما تقدمت الإشارة إليه في حديث عطية، والله أعلم.

وقال الطوفي أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه، لأنه لو غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه جل وعلا وهو خلاف العبودية.

قلت: وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان، أمكنه استحضار ما ذكر، وإذا استمر الشيطان متلبساً متمكناً من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك، والله أعلم" (٢).

المسألة الخامسة: الشح والبخل (٣).


(١) فتح الباري (١٠/ ٥٢٠ - ٥٢١).
(٢) فتح الباري (١٠/ ٥٢١).
(٣) الشح أشد البخل، فهو بخل مع حرص.
ينظر: مقاييس اللغة (٣/ ١٧٨)، المفردات في غريب القرآن (٤٤٦)، لسان العرب (٢/ ٤٩٥) مادة (شح).
وقال الخطابي رحمه الله في التفريق بين البخل والشح: "الشح أبلغ في المنع من البخل، وإنما الشح بمنزلة الجنس والبخل بمنزلة النوع، وأكثر ما يقال البخل إنما هو في إفراد الأمور وخواص الأشياء، والشح عام وهو كالوصف اللازم للإنسان من قبل الطبع والجبلة. وقال بعضهم: البخل أن يضن بمال، والشح أن يبخل بماله وبمعروفه". معالم السنن (٢/ ٨٣ - ٨٤).

<<  <   >  >>