وفي هذه الآية دليل على خطورة التساهل في محظورات الإحرام، فإذا تلبس المسلم بنسك الحج والعمرة حرم عليه ما كان حلالاً قبل ذلك ابتلاءً واختباراً، وهنا يظهر أثر الخوف من الله ذلك العمل القلبي العظيم الذي إذا كان حياً في القلب حجز صاحبه عن الوقوع في محظورات الإحرام وغيرها من المحرمات، ويختبر الله عبده بحصول بعض الأشياء المرغوبة لديه مما يحبه ويرغب قلبه فيه، وذلك يكون في حال خلوته لا يراه أحد فهنا يظهر الصادق في خوفه من الله الذي يخشاه بالغيب وينجح في الاختبار أو يضعف خوفه من الله في حال خلوته فيرتكب ما حرم الله عليه لأن لا يراه أحد فيسقط في الاختبار، ولهذا جاء الوعيد الشديد الذي تنخلع منه القلوب، لمن ينتهك محارم الله في حال خلوته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عز وجل- هَبَاءً مَنْثُورًا»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ:«أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»(١).
واليوم تيسر سماع الحرام والنظر إليه من خلال أجهزة الجوال والقنوات الفضائية ويمر على المسلم ومن ضمنهم الحاج والمعتمر مناظر محرمة يستطيع أن يراها بدون أن يعلم به أحد من الناس؛ ليختبره الله هل يخاف الله بالغيب فيحذر من السقوط في الاختبار، أو أنه لا يبالي بما حرم الله ما دام لا يراه
(١) أخرجه ابن ماجه (٢/ ١٤١٨) ح (٤٢٤٥)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ١٧٠) ح (٣٥٣٤): "رواه ابن ماجه ورواته ثقات"، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه (٤/ ٢٤٦) ح (١٥٢٥): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٥٩١) ح (٢٣٤٦)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (٥/ ٣١٧) ح (٤٢٤٥).