للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الآفات المهلكة من الرياء، والسمعة، والعجب، وفيه مسائل.]

تمهيد:

ومن الآفات المهلكة التي تفسد العبادة وتذهب بأثرها من حياة العبد وقوعه في الرياء والسمعة والعجب، وهذه أمراض قلبية مهلكة مردية لصاحبها، فكم من أعمال في ظاهرها الصلاح من حج وعمرة وصدقة وتلاوة وذكر ونحوها، غفل أصحابها عن هذه الأمراض فوقعوا فيها، فخسروا أعمالهم وهم لا يشعرون لأن هذه الأمراض تسكن في القلوب وقد لا يعلم بها من وجدت عنده لغفلته عن ذلك، وهذه الأمراض خفية تحتاج إلى مزيد مجاهدة وتفقد ومحاسبة للنفس ودعاء وتضرع إلى الله أن يطهر القلب منها، ولا يحصل ذلك إلا بخوف من خطرها وضررها العظيم على عبادات المسلم.

ولهذا كان السلف عليهم رحمة الله مع اجتهادهم العظيم وشدة محاسبتهم لأنفسهم إلا أنهم كانوا على خوف عظيم من هذه الآفات.

ودونك طرفاً من أخبارهم:

وقيل لسهل رحمه الله: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب" (١).

وقال يوسف بن الحسين رحمه الله: "أعز شيء في الدنيا: الإخلاص. وكم أجتهدُ في إسقاط الرياء عن قلبي! فكأنه ينبت على لون آخر" (٢).

تنبيه: وهذا الكلام -والله أعلم- لأجل حثِّ النفس على الاجتهاد في الإخلاص، إلا أنه قد يصيب من يسمعه باليأس من الإخلاص وأنه غير مقدور عليه، فيضعف الاهتمام به، وهذا ما ينبغي أن ينتبه له المسلم عند سماعه لهذه الأقوال عن الإخلاص ونحوه من أعمال القلوب، بل ينبغي أن يعلم يقيناً أن الله لا يخيِّب من جاهد وبذل الأسباب الموصلة إلي الإخلاص ونحوه، بل قال تعالى في بيان أن الذي يجاهد نفسه على الخير سيجد عون الله له وهدايته تحف به: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩].


(١) مدارج السالكين (٢/ ٩٢).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ٩٢).

<<  <   >  >>