وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- الذي أستجابه الله فحمى قبره، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اللهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "(١).
وأما التبرك المشروع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته بريقه وشعره وفضلة وضوئه والتمسح بجسده الشريف؛ فكل ذلك دل عليه الدليل وفعله الصحابة بمحضر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم، وكذلك من التبرك المشروع التبرك بآثاره التي بقيت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من شعره وملابسه وآنيته فكل من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح لغيره.
ج - التبرك بقبور الصحابة والصالحين.
فإذا كان قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح التبرك به ولا يجوز فمن باب أولى قبور الصحابة ومن تبعهم من الصالحين، فما يحدث من تبرك شركي بقبور الصالحين من طلب المدد منهم والطواف بقبورهم والنذر لهم والذبح عند قبورهم والصلاة والدعاء عند قبورهم بحجة أنهم أولياء لله يتوسطون لمن يأتي إليهم عند الله، فكل هذا من الشرك الأكبر الذي يشابه كفار مكة حين قالوا عن معبوداتهم، قال تعالى عنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} سجحالزُّمَر الآية تحمسحج.
وتلاحظ انهم يدعون أن هذه المعبودات هم لا يعبدونها في ذاتها بل هي في زعمهم واسطة بينهم وبين الله وأنهم لصلاحهم يقربون إلى الله، وهذا المنهج الضال صار عليه كل من وقع في الشرك بعدهم، تجدهم يقولون نحن نتقرب إلى الله بواسطة هذا الولي ولا نعبده وإننا نعبد الله وهؤلاء لأنهم صالحون يقربونا إلى الله.
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فقد قاسوا الخالق العظيم الذي أحاط علماً بكل شيء، على المخلوق الضعيف من الملوك في الدنيا الذين يحتاجون إلى واسطة يبلغونهم حاجات الرعية، لأنهم لا يحيطون علماً بكل شيء، وهذا لا شك من جهل هؤلاء بالله تعالى وعدم تقديرهم له حق قدره،
(١) أخرجه أحمد (١٢/ ٣١٤) ح (٧٣٥٨)، وقال محقق المسند (١٢/ ٣١٤): " إسناده قوي".