وهذا الضرب من التشبيه، يقصد به البيان والإيضاح، وتقريب الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون، ولكنك تأخذك روعة التشبيه، حينما تسمع قول المعري يصف نجماً
يسرع اللمح في احمرار كما تسـ رعُ في اللمح مقلة الغضبان
فان تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه، بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة، التي لا تنقاد إلا لأديب، ومن ذلك قول الشاعر:
وكأن النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع
فإن جمال هذا التشبيه: جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه، في عقد المشابهة بين حالتين - ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالة النجوم في رقعة الليل، بحال السنن الدينية الصحيحة، متفرقة بين البدع الباطلة.
ولهذا التشبيه: روعة أخرى، جاءت من أن الشاعر: تخيل أن السنن مضيئة لمّاعة، وأن البدع مظلمة قاتمة.
ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي:
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
يدعو الشاعر: على نفسه بالبلى والفناء، إذا هو لم يقف بالأطلال، ليذكر عهد من كانوا بها، ثم أراد أن يصور لك هيئة وقوفه، فقال: كما يقف شحيح فقد خاتمه في التراب، من كان يوفَّق إلى تصوير حال الذاهل المتحير المحزون، المطرق برأسه، المنتقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة، بحال شحيح فقد في التراب خاتماً ثميناً.
هذه بلاغة التشبيه من حيث مبلغ طرافتهن وبعد مرماه، ومقدار ما فيه من خيال.
أما بلاغته من حيث الصورة الكلامية التي يوضع فيها، فمتفاوتة أيضاً فأقل التشبيهات مرتبة في البلاغة ما ذكرت أركانه جميعها، لأن بلاغة التشبيه مبنية على ادعاء أن المشبه عين المشبه به، ووجود الاداة، ووجه الشبه معاً، يحولان دون هذا الادعاء، فإذا حذفت الاداة وحدها، أو وجه الشبه وحده، ارتفعت درجة التشبيه في البلاغة قليلا، لأن حذف أحد هذين يقوى ادعاء اتحاد المشبه والمشبه به بعض التقوية - أما أبلغ أنواع التشبيه «فالتشبيه البليغ» لانه مبنى على ادعاء أن المشبه والمشبه به شيء واحد، هذا - وقد جرى العرب والمحدثون على تشبيه: الجواد بالبحر، والمطر والشجاع