سبق لك أن بلاغة التشبيه آتية من ناحيتين، الأولى: طريقة تأليف ألفاظه والثانية: ابتكار مشبه به بعيد عن الأذهان، لا يجول إلا ّ في نفس أديب، وهب الله له استعداداً سليما في تعرّف وجوه الشُّبه الدقيقة بين الأشياء وأودعه قدرة على ربط المعاني، وتوليد بعضها من بعض إلى مدى بعيد لا يكاد ينتهي.
(وسر بلاغة الاستعارة) لا يتعدّى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ أن تركيبها يدل على تناسي التشبيه، ويحملك عمداً على تخيل صورة جديدة تنسيك روعتها ما تمضنه الكلام من تشبيه خفي مستور، انظر إلى قول البحتري في الفتح بن خاقان:
يسمو بكف على العافين حانية تهمى وطرف إلى العلياء طمَّاح
ألست ترى كفّه: وقد تمثّلت في صورة سحابة هتّانة، تصبُّ وبلها على العافين