والسائلين، وان هذه الصورة قد تملكت عليك مشاعرك فأذهلتك عمّا اختبأ في الكلام من تشبيه؟
وإذا سمعت قوله في رثاء المتوكل وقد قتل غيلة:
صريع تقاضاه الليالي حشاشة يجود بها والموتُ حمرٌ أظافره (١)
فهل تستطيع أن تبعد عن خيالك هذه الصورة المخيفة للموت، وهي صورة حيوان مفترس، ضرجت أظفاره بدماء قتلاه، لهذا كانت الاستعارة أبلغ من (التشبيه البليغ) لأنه وان بنى على ادعاء أن المشبه والمشبه به سواء، لا يزال فيه التشبيه منويا ملحوظاً بخلاف (الاستمارة) فالتشبيه فيها منسى مجحود، ومن ذلك يظهر لك أن الاستعارة المرشحة ابلغ من الاستعارة المطلقة، وأن الاستعارة المطلقة أبلغ من الاستعارة المجردة، أما بلاغة الاستعارة من حيث الابتكار، وروعة الخيال، وما تحدثه من أثر في نفوس سامعيها، فمجال فسيح للابداع، وميدان التسابق المجيدين من فرسان الكلام، أنظر إلى قوله عز شأنه في وصف النار، (تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يا تكم نذير) ، ترتسم أمامك النار في صورة مخلوق ضخم، بطاش مكفهر الوجه، عابس يغلى صدره حقداً وغيظاً - عن البلاغة الواضحة بتصرف.
(١) الصريع المطروح على الأرض، وتقاضاه أصله تنقاضاه بحذف إحدى التاءين وهو من قولهم: تقاضى الدائن دينه إذا قبضه، والحشاشة بقية الروح في المريض والجريح - يصفه بأنه ملقى على الأرض بلفظ النفس الأخير من حياته.