الحديث، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون جواباً ومنها ما يكون خطباً، ومنها ما يكون رسائل، فعامة هذه الأبواب الوحي فيها والاشارة إلى المعنى ابلغ - والايجاز هو البلاغة، فالسكوت يسمى بلاغاً مجازاً - وهي في حالة لا ينجع فيها القول، ولا ينفع فيها إقامة الحجج - إما عند جاهل لا يفهم الخطاب أو عند وضيع لا يرهب الجواب، او ظالم سليط يحكم بالهوى، ولا يرتدع بكلمة التقوى وإذا كان الكلام يعرى من الخير، أو يجلب الشر فالسكوت أولى، وقال الرشيد: البلاغة التباعد من الاطالة، والتقرب من البغية، والدلالة بالقليل من اللفظ، على الكثير من المعنى قال أحد الأدباء: ابلغ الكلام ما حسن إيجازه، وقل مجازه، وكثر إعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه. (٢) مقتضى الحال - هو ما يدعو إليه الأمر الواقع، أي ما يستلزمه مقام الكلام واحوال المخاطب من التكلم على وجه مخصوص، ولن يطابق الحال إلا إذا كان وفق عقول المخاطبين، واعتبار طبقاتهم في البلاغة، وقوتهم في البيان والمنطق - فللسوقة كلام لا يصلح غيره في موضعه، والغرض الذي يبنى له، ولسراة القوم والأمراء فن آخر لايسد مسده سواه - من أجل ذلك كانت مراتب البلاغة متفاوتة، بقدر تفاوت الاعتبارات والمقتضيات، وبقدر رعايتها يرتفع شأن الكلام في الحسن والقبح، ويرتقي صعداً إلى حيث تنقطع الاطماع، وتخور القوى، ويعجز الانس والجن أن يأتو بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وتلك مرتبة الأعجاز التي تخرس عندها ألسن الفصحاء لو تاقت إلى العبارة: وقد عرف بالخبر المتواتر أن القرآن الكريم نزل في أرقى العصور فصاحة، وأجملها بلاغة ولكنه سد السبل أمام العرب عند ما صاح عليهم صيحة الحق، فوجفت قلوبهم، وخرست شقاشقهم، مع طول التحدي وشد النكير (وحقت للكتاب العزيز الكلمة العليا) .