للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيشبه الممدوح: بالبحر، ويدفع بخيالك إلى أن يضاهى بين الممدوح والبحر الذي يقذف الدرر للقريب، ويرسل السحائب للبعيد = أو يقول:

هو البحر من أي النواحي أتيته فلُجّتهُ المعروف والجودُ ساحله

فيدّعى، أنه البحر نفسه، وينكر التشبيه نكرانا يدل على المبالغة، وادعاء المماثلة الكاملة - أو يقول.

علا فما يستقر المالُ في يده وكيف تمسك ماء قنةُ الجبل؟

فيرسل إليك التشبيه: متن طريق خفيّ، ليرتفع الكلام إلى مرتبة أعلى في البلاغة، وليجعل لك من (التشيبه الضمني) دليلاً على دعواه، فانه ادعى: أنه لعلو منزلته ينحدر المال من يديه، وأقام على ذلك برهاناً، فقال «وكيف تمسك ماء قنة الجبل» أو يقول:

جرى النهر حتى خلته منك أنعماً تساق بلا ضنٍ وتعطى بلا منِّ (١)

فيقلب التشبيه زيادة في المبالغة، وافتناناً في أساليب الإجادة، ويشبه ماء النهر بنعم الممدوح - بعد أن كان المألوف: أن تشبه النعم، بالنهر الفيّاض أو يقول::

كأنه حين يعطى المال مبتسما صوب الغمامة تهمي وهي تأتلق (٢)

فيعمد إلى التشبيه المركب، ويعطيك صورة رائعة، تمثل لك حالة الممدوح وهو يجود - وابتسامة السرور تعلو شفتيه - أو يقول:

جادت يد الفتح والأنواء باخلة وذاب نائله والغيثُ قد جمدا

فيضاهي بين جود الممدوح والمطر، ويدعى أن كرم ممدوحه لا ينقطع، إذا انقطعت الأنواء، أو جمد القطر - أو يقول:

قد قلت للغيم الركام ولجَّ في إبراقه والح في إرعاده (٣)

لا تعرضن لجعفر متشبِّها بندى يديه فلست من أنداده


(١) الضن البخل، والمن الامتنان بتعداد الصنائع.
(٢) تهمى تسيل، وتاتلق تلمع.
(٣) الغيم الركلام المتراكم، ولج وألح كلاهما بمعنى استمر.

<<  <   >  >>