للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأشهب» يعني الفرس الأسود، والفرس الأبيض، فقال له الحجاج: أردت (الحديد) ، فقال القبعثري: لأن يكون حديداً خيرٌ من أن يكون بليداً، ومراده تخطئة الحجاج بأن الأليق به الوعد (لا الوعيد) (١)

ومثال الثاني: قوله تعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللواليدن والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، سألوا النبيّ عليه الصلاة والسلام عن حقيقة ما ينفقون مالهم، فأجيبوا ببيان طرق إنفاق المال: تنبيهاً على أن هذا هو الأولى والأجدر بالسؤال عنه وقال تعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج (٢) وقال ابن حجُاج البغدادي:

قلت: ثَقَّلتُ إذ أتيتُ مراراً قال: ثقلتَ كاهلي بالايادي

قلتُ: طوّلت، قال: أوليت طولا قلتُ: أبرمتُ، قال: حبل وادادي (٣)

فصاحب ابن حجَّاج: يقول له، قد ثقَّلت عليك بكثرة زياراتي، فيصرفه عن رأيه في أدب وظرف، وينقل كلامه من معنى إلى معنى آخر - وكقول الشاعر:

ولما نعى الناعي سألناه خشيةً وللعين خوف البين تسكاب أمطار

أجاب قضى: قلنا قضى حاجة العلا فقال مضى: قلنا بكل فخار

ويحكى: أنه لما توجّه (خالد بن الوليد) لفتح الحيرة، أتى إليه من قبل أهلها رجل ذو تجربة: فقال له (خالد) فيم أنت؟ قال في ثيابي، فقال علام أنت؟ فأجاب على الأرض - فقال كم سنّك؟ قال اثنتان وثلاثون - فقال: أسألك عن شيء، وتجيبني بغيره: فقال: إنّما أجبتك عمّا سألت.


(١) سبب ذلك: ان الحجاج بلغه أن القبعثري لما ذكر الحجاج بينه وبين أصحابه في بستان، قال: اللهم سود وجهه، واقطع عنقه، واسقني من دمه، فوشى به إلى الحجاج فلما مثل بين يديه، وسأله عن ذلك، قال: انما أردت (العنب) ، فقال له الحجاج ما ذكر ومثل ذلك قول الشاعر:
ولقد أتيت لصاحبي وسألته في قرض دينار لأمر كانا
فأجابني والله داري ما حوت عيناً فقلت له ولا انسانا
وسئل تاجر؟ ؟ كم رأس مالك، فقال: إني أمين، وثقة الناس بي عظيمة وقال الشاعر:
طلبت منه درهماً يوماً فأظهر العجب
وقال ذا من فضة يصنع لا من الذهب
وسئل أحد العمال؟ ؟ مذا ادخرت من المال، فقال: لا شيء يعادل الصحة.
(٢) بيان ذلك: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الأهلة؟ ؟ لم تبدو صغيرة، ثم تزداد حتى يتكامل نورها، ثم تتضاءل حتى لا ترى (وهذه مسالة دقيقة من علم الفلك) تحتاج إلى فلسفة عالية وثقافة عامة - فصرفهم عنها ببيان أن الأهلة وسائل للتوقيت في المعاملات، والعبادات، إشارة إلى أن الأولى بهم أن يسألوا عن هذا.
(٣) فقد وقع لفظ «ثقلت» في كلام المتكلم بمعنى «حملتك المؤونة» فحمله المخاطب على الاكثار من المنن والأيادي «وأبرمت» وقع في كلامه بمعنى «أمللت» فحمله المخاطب على ابرام حبل الوداد وإحكامه، وليس في طولت الأولى التي هي من طول الاقامة، وتطولت من التطول وهو التفضل: شاهد.

<<  <   >  >>