للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كقول الحريري، هو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه (١) وكقول الهمذاني: إن بعد الكدر صفواً، وبعد المطر صحواً.

ثالثها - (السجع المتوازي) : وهو ما اتفقت فيه الفقرتان في الوزن والتقفية نحو قوله تعالى (فيها سرر مرفوعة وأكوابُ موضوعة) لاختلاف سُرر، وأكواب، وزناً وتقفية، ونحو قوله تعالى (والمُرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً) لاختلاف المرسلات، والعاصفات وزناً فقط ونحو: حسدَ الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت - لاختلاف ما عدا الصَّامت، والشامت: تقفية فقط.

والأسجاع مبنية على سُكون أواخرها، وأحسن السجع ما تساوت فقرهُ، نحو قوله تعالى (في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود) ، ثم ما طالت فقرته الثانية، نحو قوله تعالى (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) ثم ما طالت ثالثته، نحو قوله تعالى (النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهودٌ) ولا يحسن عكسه، لأن السامع ينتظر إلى مقدار الأول، فاذا انقطع دونهن أشبه العثار (٢) ، ولا يحسن السجع إلا إذا كانت المفردات رشيقة، والألفاظ خدم المعاني، ودلّت كل من القرينتين على معنى غير ما دلّت عليه الأخرى، وحينئذ يكون حلية ظاهرة في الكلام.

والسجع: موطنه النثر، وقد يجىء في الشعر نادراً: كقوله:

فنحن في جزل والروم في وجل والبر في شغلٍ والبحر في خجل

ولا يستحسن اسجع أيضاً إلا إذا جاء عفواً، خالياً من التكلف والتصنع، ومن ثم لا تجد لبليغ كلاماً يخلو منه، كما لا تخلو منه سورة وإن قصرت.

(٥) الموازنة

الموازنة: هي تساوى الفاصلتين في الوزن دون التقفية، نحو قوله تعالى: (ونمارق مصفوفة وزرا بي مبثوثة) فان مصفوفة ومبثوثة متفقتان في الوزن، دون التقفية، ونحو قول الشاعر:

أفاد َ فساد وقاد فزاد وساد فجادَ وعادَ فأفضلَ


(١) ولو أبدلت الاسماع بالآذان كان مثالا للأكثر: وسمى السجع سجعا تشبيها له بسجع الحمام، وفواصل الأسجاع موضوعة على أن تكون ساكنة الاعجاز، موقوفا عليها، لأن الغرض أن يزاوج بينها، ولا يتم ذلك إلا بالوقف.
(٢) يعني أنه لا يحسن أن يؤتى في السجع بفقرة أقصر مما قبلها كثيراً، لأن السجع إذا استوفى امده من الأولى لطولها، ثم جاءت الثانية أقصر منها، يكون كالشيء المبتور.

<<  <   >  >>