(٦) ومنها تنزيل المنكر منزلة الخالي، إذا كان لديه دلائل وشواهد لو تأملها لارتدع وزال إنكاره، كقوله تعالى (وإلهكم إله واحد) وكقولك لمن ينكر منفعة الطب (الطب نافع) .
(٧) ومنها تنزيل المنكر منزلة المُتردد، كقولك لمن ينكر (شرف الأدب) إنكاراً ضعيفا «إن الجاه بالمال: انما يصحبك ما صحبك المال
وامَّا الجاه بالأدب فأنه غير زائل عنك» .
الثالث: قد يؤكد الخبر لشرف الحكم وتقويته، مع أنه ليس فيه تردد ولا إنكار، كقولك في افتتاح كلام (إنّ أفضل ما نطق به اللسان كذا)(١) .
(١) من مزايا اللغة العربية دقة التصرف في التعبير، واختلاف الأساليب باختلاف المقاصد والأغراض، فمن العيب الفاضح عند ذوي المعرفة بها (الأطناب) إذا لم تكن هناك حاجة إليه، «والايجاز والاختصار» حيث تطلب الزيادة، وقد تخفى دقائق تراكيبها على الخاصة بل العامة، فقد أشكل أمرها على بعض ذوي الفطنة من نابتة القرن الثالث: إبان زهو اللغة ونضرة شبابها، يرشدك إلى ذلك ما رواه الثقاة من أن المتفلسف الكندي: ركب إلى أبي العباس المبرد وقال له، إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال أبو العباس في أي موضع وجدت ذلك، فقال أجد العرب يقولون عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله قائم، ثم يقولون، إن عبد الله لقائم، فالالفاظ متكررة، والمعنى واحد، فقال أبو عباس بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ، فالأول اخبار عن قيامه، والثاني جواب عن سؤال سائل، والثالث جواب عن انكار منكر قيامه، فقد تنكررت الألفاظ لتكرر المعاني، فما أحار المتفلسف جوابا ومن هذا: نعلم أن العرب لاحظت أن يكون الكلام بمقدار الحاجة، لا أزيد وإلا كان عبثاً - ولا انقص والا أخل بالغرض - وهو الأفصاح والبيان.