للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ورد ما يخالف ذلك وهو ما رواه الطبري: (أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد أشراف أهل الكوفة، فلم يرَ عبيد اللّه بن الحر، ثمّ جاءه بعد أيام حتّى دخل عليه، فقال: أين كنت يا ابن الحر؟ قال: كنت مريضًا، قال: مريض القلب، أو مريض البدن! قال: أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد مَنَّ اللّه عليَّ بالعافية، فقال له ابن زياد: كذبت، ولكنك كنت مع عدونا، قال: لو كنت مع عدوك لرُئِي مكاني، وما كان مثل مكاني يخفى، قال: وغفل عنه ابن زياد غفلة، فخرج ابن الحر فقعد على فرسه، فقال ابن زياد: أين ابن الحر؟ قالوا: خرج الساعة، قال: عليَّ به، فأحضرت الشرطة فقالوا له: أجب الأمير، فدفع فرسه ثمّ قال: أبلغوه أني لا آتيه واللّه طائعًا أبدًا) (١).

وعبيد الله بن الحر في كلامه هنا صادقًا وليس لمثله أن يكذب؛ لأنه لا يخاف من ابن زياد، ولو سبق أن استنجد به الحسين -رضي الله عنه- ورفض وهو يخاف ابن زياد لأخبره بذلك لكي يحظى بمكان عنده، ولكنه مرض ولم يشهد قتل الحسين -رضي الله عنه- وندم على ألا يكون من المدافعين عنه وقال هذه القصيدة التي خلدت موقفه (٢):

يقول أمير غادر حق غادر … ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة

ونفسي على خذلانه واعتزاله … وبيعة هذا الناكث العهد لائمة

فيا ندما ألا أكون نصرته … ألا كل نفس لا تسدد نادمة

وإني لأني لم أكن من حماته … لذو حسرة ما أن تفارق لازمه


(١) التاريخ ٥/ ٤٦٩. وبنحوها البلاذري: الأنساب ٧/ ٣١.
(٢) ذكر هذه الأبيات ابن سعد في الطبقات ١/ ٥١٤ (ت د. محمد السلمي)، وبنحوها البلاذري: الأنساب ٧/ ٣١. والطبري: التاريخ ٥/ ٤٧٠.

<<  <   >  >>