[٢٤٠]- (ثم إن العصبية وقعت بخراسان بين المضرية واليمانية.
وكان سبب ذلك، أن جديع بن علي المعروف بالكرماني كان سيدَ مَنْ بأرض خراسان من اليمانية، وكان نصر بن سيار متعصبًا على اليمانية، مبغضًا لهم، فكان لا يستعين بأحد منهم، وعادى أيضًا ربيعة لميلها إلى اليمانية، فعاتبه الكرماني في ذلك.
فقال له نصر: ما أنت وذاك؟ قال الكرماني: إنما أريد بذلك صلاح أمرك، فإني أخاف أن تفسد عليك سلطانك، وتحمل عليك عدوك هذا المطل، يعنى المسودة. قال له نصر: أنت شيخ قد خرفت. فأسمعه الكرماني كلامًا غليظًا، فغضب نصر، وأمر بالكرماني إلى الحبس، فحبس في القهندر، وهي القلعة العتيقة.
فغضب أحياء العرب للكرماني، فاعتزلوا نصر بن سيار، واجتمع إلى نصر المضرية، فطابقوه وشايعوه.
وكان للكرماني مولى من أبناء العجم، ذو دهاء وتجربة، وكان يخدمه في محبسه، وكان الكرماني رجلًا ضخمًا عظيم الجثة، عريض ما بين المنكبين، فقال له مولاه: أتوطن نفسك على الشدة والمخاطرة حتى أُخرجك من الحبس؟ قال له الكرماني: وكيف تخرجني؟ قال: إني قد عينت على ثقب ضيق، يخرج منه ماء المطر إلى الفارقين، فوطن نفسك على سلخ جلدك لضيق الثقب. قال الكرماني: لا بد من الصبر، فاعمل ما أردت.
فخرج مولاه إلى اليمانية، فواطأهم، ووطنهم في طريقه، فلما جن الليل،