للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه آخر: أن المبادلة في الربويات لا يجوز فيها التأخير، والقرض مبادلة بالتأخير، لكن جاز لما فيه من الرفق.

فهذه الأمور تدل على افتراق حكم البابين، وأنه يسمح في باب القرض ما لا يسمح فيه في باب المبادلة، فلا يلزم على هذا القائل باعتبار المعيار الشرعي في المبادلة

أن يقوله في القرض، فينبغي الجواز في مسألتنا، لأن معرفة المساواة تحصل بالميزان، وهو المعروف عندنا في الدقيق، على أنه لا يجوز عندنا بيعه إلا به، لأن المبايعة إنما تكون بالمعيار المعروف، وإن خالفت العادة عادة الشرع، كالتمر مثلاً لايجوز بيعه عندنا بالكيل، وإن كان ذلك هو المعروف في عادة الشرع له لما يقع في الغرر المنهي عنه، ويعتضد في مسألتنا بما تقدم عن ابن القصار.

إذا تقرر هذا فيقال: قد جرى العرف عند الناس والجيران في سلف الدقيق بالميزان، وهو يحصل به التساوي المطلوب في السلف، ولا يعرفون فيه الكيل، وله وجه صحيح، فلا يمنعون منه، لأن الناس إذا جرى عملهم على شيء له وجه صحيح يستند إليه لا ينبغي أن يحمل الناس على قول إمام، ويلزمون ذلك، إن كانوا مستندين في عملهم لقول إمام معتمد، أمّا إن كان المانع لا مستند له إلا مجرد نظره من غير نص ولا مشاورة فمنعه خطأ، فقد نصّ العلماء على أن من شرط تغيير المنكر أن يحقق كونه منكراً، وإلا فلا يجوز، ومن شرطه أيضاً أن يكون متفقاً عليه عند العلماء.

فحسب هذا الرجل إن كان ظهر له المنع أن يمتنع منه في خاصة نفسه، ويتورع في ذاته، ولا يحمل الناس عليه ويدخل عليهم شغباً في

<<  <   >  >>