والاتجاه الثاني كان يأخذ بالرأي عند انعدام النصوص الشرعية أو لترجيح فهم بعضها على الآخر، ولهذا أطلق على أصحاب هذا التيار اسم (مدرسة الرأي) وقد ظهر منهم الصحابة: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأم المؤمنين عائشة. [" الاجتهاد بالرأي " للدكتور خليفة بابكر: ص ١٩٧].
وقبل تدوين السنة وتمحيص الفقه اتسع الخلاف بين المدرستين بسبب قلة الأحاديث النبوية عند أهل الكوفة من أصحاب مدرسة الرأي، ولعدم تثبت بعض أصحاب مدرسة الحديث من بعض الأحاديث كان منهم من يقدم القياس أو عمل أهل المدينة على بعض النصوص الشرعية التي لم تكن قد شاعت وثبت صحتها. فلم يأخذ بحكم خيار البيع كل من الإمام أبو حنيفة وهو من مدرسة الرأي، والإمام مالك وهو من مدرسة الحديث، لأن الحكم الشرعي جاء به حديث غير متواتر ولا مشهور فلم يعملا به لعدم شهرته بين التابعين.
وظن هذان الإمامان أن هناك علة في الحديث أدت إلى عدم شهرته وإلى عدم العمل به، ولكن يرجع السبب في ذلك إلى أن السنة النبوية لم تكن قد جمعت كلها ومحصت، ومن ثم عندما تحقق ذلك تبين أن هذا الحديث عند البخاري ومسلم مرفوعًا إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» [" مناهج الاجتهاد ": ص ١١٤، ١٢٠].
ومن قبيل عدم العلم بالسنة ما رواه الإمام مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكر الصديق أنه لم يحكم للجدة بالميرات وقال: ما سمعت رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عن ميراثها شيئًا، وسأل الناس في المسجد بعد صلاة الظهر، فقام المغيرة بن شعبة وقال: أعطاها الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس، فقال الخليفة: أيعلم ذلك أحد غيرك؟ قال: محمد بن مسلمة، فصدقه الخليفة وحكم للجدة بهذا الميراث.
وفي الطبقة الثالثة كثرت الرحلات العلمية بين العلماء والفقهاء، كما