للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما روي عن الإمام أبي حنيفة في كتاب " اليواقيت والجواهر " مثل ذلك وعند الحاكم والبيهقي عن الإمام الشافعي أنه قال: «إذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي».

فليس لمسلم أن يترك الحديث الصحيح ويعمل بقول أحد من الناس. ولهذا عندما أجاب ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالحديث النبوي وقال السائل: قال أبو بكر وعمر، كان جواب ابن عباس: «يوشك أن تسقط عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقولون: قال أبو بكر وعمر».

ولكن الذي يجتهد في فهم النص الشرعي ابتغاء مرضاة الله فيتمسك بفهم لا ترده قواعد اللغة يكون مأجورًا ولو أخطأ في الحكم، فقد روى " البخاري " و" مسلم " أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِذَا [حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ] ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ». وهذا كله إذ كان من أهل الاجتهاد.

وفي هذا روى " البخاري " و" مسلم " أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال بعد غزوة الخندق: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فأدركتهم الصلاة في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة، وقال بعضهم لم يرد منا هذا، فصلوا في الطيق، فسكت النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ولا شك أنه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعرف سبب حثه الصحابة ليصلوا العصر في بني قريظة وهو سرعة الوصول بغير تأخير، وبالتالي لم يرد تغيير مواقيت الصلاة، والذين صلوا في الطريق كانوا أصوب فعلاً ولكن لم يعب على الذين تمسكوا بعموم الأمر وظاهره لأنهم اجتهدوا في فهم المراد من الأمر النبوي.

<<  <   >  >>