للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد ترتب على القول بظنية ثبوت أحاديث الآحاد أن اتجه فقهاء الرأي إلى عدم الأخذ بها إذا كان حكمها زائدًا عما جاء في القرآن الكريم لأن الزيادة نسخ ولا يؤخذ بالدليل الظني. كما رفضوا تخصص عام القرآن والسنة المتواترة والمشهورة بأحاديث الآحاد لأن الظني لا يعارض القطعي، والتخصيص يكون عند التعارض (١).

ولكن في الأحكام العملية أخذ الأحناف بخلاف هذه القاعدة كانتقاض الوضوء بالضحك في الصلاة وبالنوم مضطجعًا والمساواة في قيمة الدية الشرعية من أصابع اليد الواحدة وغير ذلك من أحكام الفروع ولكن فقهاء مدرسة الحديث يرون أن خبر الآحاد يستقل بتشريع الأحكام فالزيادة فيه على القرآن والسنة المتواترة مقبولة لقضاء النبي بشاهد ويمين المدعي وجلد الزاني المحصن وتغريبه عام لأن التغريب ورد في السنة النبوية.

كما اختلفوا في دلالة النصوص العامة في القرآن والسنة فترى مدرسة الحديث أنها ظنية وبهذا يخصص عام القرآن والسنة المتواترة بأحاديث الآحاد، بينما ترى مدرسة الرأي أن العام مثل الخاص قطعي الدلالة وبالتالي أحاديث الآحاد لا تخصص عام القرآن والسنة المتواترة وهذا لا يظهر إلا عند تعارض النصوص في الظاهر فإن عرف المتأخر منهما كان ناسخًا وعمل به، فإذا لم يعرف المتأخر يعمل بقطعي الثبوت منهما وهو القرآن والسنة المتواترة ومثلها المشهورة وهذا ثبت الرجم عند الأحناف بالسنة النبوية لأنه إذا لم يعرف تاريخ العام والخاص كان العام هو الأخير احتياطًا ونسخ المتقدم (٣).

«وتخصيص العام عند الجمهور يعني قصر العام على بعض أفراده بدليل مستقل أو غير مستقل مقارن أو غير مقارن». [" أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء " الدكتور مصطفى سعيد الخن: ص ٢٠٦].

قال الآمدي: «إِنَّ النَّسْخَ لاَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ إِلاَّ بِخِطَابٍ مِنَ الشَّارِعِ، بِخِلاَفِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالقِيَاسِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ. [" الإحكام ": ٣/ ١٦١.].


(٢) " الإسلام عقيدة وشريعة ": ص ٧٥ وكتابه " الفتاوى ": ص ٦٢.

<<  <   >  >>