ومن هذا يتضح عدم سلامة منهج الأحناف بشأن أحاديث الآحاد، فهم نظريًا يقولون بعدم قدرتها على تخصيص عام القرآن والسنة المتواترة وعمليًا يأخذون بها.
إن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يقبلون الحديث النبوي ويعملون به، دون أن يفرقوا بين الآحاد والمتوتر ولكن بعضهم كأبي بكر يستشهد مع الراوي آخر ليتأكد من نسبة الحديث النبوي إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وكانوا يعملون بالسنة النبوية كلها لأنها البيان الإلهي للقرآن الكريم لقول الله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤].
فقد أمر الله بقطع يد السارق في قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ}[المائدة: ٣٨]. ثم بين النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوحي من ربه أنه لا قطع في ربع دينار فصاعدًا، فأخذ الصحابة والتابعون بعدهم بالحديث ولم يبحثوا عن القطعي والظني من السنة بل لم يكن عندهم هذا الاصطلاح.
إن صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأون الفاتحة في كل ركعة من الصلاة امتثالاً لقول النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه " مسلم ": «مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» أي ناقصة، وقوله:«لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ». ولم يقل أحد منهم أن هذا الحديث النبوي من سُنَّةِ الآحاد فلا يخصص قول الله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠]، ومن ثم وجب أن نتبع منهاج النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته فقد حذرنا من الابتداع فقال فيما رواه " مسلم ": «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
وعلى ذلك فسنعرض بإيجاز لشبهة التعارض بين النصوص ونسخ الأحكام وذلك من خلال هذه الحقيقة وليس من خلال المصطلحات المؤدية إلى عدم الوفاق.