ثالثًا: لقد افترى هذا الكاتب وكذب على الفقهاء بأن ادعى أنه أيدوا كل رأي لهم بحديث نسبوه إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذِبًا وَزُورًا ويبدو أن الكاتب يجهل أن السنة النبوية قد دونت ومحصت تمحيصًا دقيقًا وذلك منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يكذب على النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنسبة قول إليه ليؤيد به رأيه، وبهذا لم يستطع الكاتب أن يذكر حديثًا واحدًا من تلك التي زعم أنها مكذوبة.
رابعًا: يزعم الكاتب أن الفقهاء قد اطمأنت ضمائرهم باختلاقهم أحاديث ونسبتها إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاعتقادهم أنهم يخدومون دين الإسلام، وهذا الادعاء لا يجرؤ أن يقول به شياطين الجن أنفسهم.
[إنهم] يعلمون أن السنة قد دونت وحفظت وأنه لا يستطيع أحد أن ينسب إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قولاً كاذبًا حتى يسهل كشف هذا الكذب والحكم على هذا المدعي بالافتراء وإخراجه من زمرة العلماء العدول وكفره إذا أحل وحرم.
ولو كان الكاتب قد اطلع على الأحاديث المتواترة وهي تعد على أصابع اليدين لعلم قول النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»، وعندئذٍ يستحي أن ينسب إلى الفقهاء الكذب على النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
خامسًا: يزعم الكاتب أن الصحابة وحدهم هم الذين كانوا يستطيعون إثبات صحة الحديث أو نفي صدوره عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا يدل على أن الكاتب المجتهد لا يعلم شيئًا عن تدوين الحديث النبوي، فقد كانت السنة محفوظة في صدور صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم نقلوها إلى من بعدهم من التابعين فضلاً عن أن عصر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْلُ من الكتابة.
ثم شاع تدوين السنة في عصر التابعين حتى أن الخليفة عمر بن عبد العزيز أرسل إلى والي المدينة أبي بكر بن حزم وإلى ولاة الأقاليم طالبًا تدوين السنة النبوية وقد تولى الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري جمع وتدوين ما في المدينة من سنة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثم شاع تدوين السنة في القرن الثاني للهجرة على يد ابن جريج (١٥٠ هـ) وابن