للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"القسطلان" (٢)، وهي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر.

وبهذه المدينة تجتمع طلبة العلم من النصارى، وينتهون إلى ألف رجل أو ألف وخمسمائة، ولا يحكم فيهم إلاَّ القسيس الذى يقرؤون عليه، فقرأت فيها علم الطبيعيات، والنجامة مدة ست سنين، ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل ولغته ملازمًا لذلك مدة أربع سنين، ثم ارتحلت إلى مدينة "بلونية" من أرض "الأنبردية"، وهي مدينة كبيرة جدًّا، وهي مدينة علم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أزيد من ألفي رجل يطلبون العلوم، ولا يلبسون إلَّا الملف (٣) (الذي هو صباغ الله) (٤)، ولو يكون طالب العلم منهم سلطانًا أو ابن سلطان فلا يلبس إلَّا ذلك ليمتاز الطلبة عن غيرهم، ولا يحكم فيهم إلَّا القسيس الذي يقرؤون عليه.

فسكنت في كنيسة لقسيس كبير السن عندهم، كبير القدر اسمه: "نقلاو مرتيل" وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جدًّا، انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية، فكانت الأسئلة في دينهم تَرِدُ عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم، وصحب الأسئلةَ من الهدايا الضخمة -ما هو الغاية في بابه، ويرغبون في التبرك به، وفي قبوله لهداياهم، ويتشرفون بذلك.

فقرأت على هذا القسيس علم أصول النصرانية وأحكامه، ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه؛ حتى صَيَّرَني من أخص


(٢) وهي تدعى اليوم: "كاستيلون" و"قسطلة" مدينة بالأندلس.
(٣) الملف: كمقص، لحاف يلتحف به.
(٤) لعله زي مصبوغ بصباغ له قداسة عندهم، والله أعلم.

<<  <   >  >>