للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تطلب المجد واقنع ... إن المجد سُلَّمه صعب

آخر:

دَع المكارم لا ترحل لبُغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فبقي مستكينًا يرزح تحت وطأة الشهوات، ويجبن عن أن يثور على واقعه (١)، أو أن يفك وَثاق همته:

ومن يتهيب صعود الجبال ... يَعِشْ أبد الدهر بين الحُفَر

وإن نازعته نفسه إلى طلب المعالي، والارتقاء بهمته، واقتحام الأهوال، والتخلي عن البَطالة والعجز والكسل، زجرها قائلًا:

ذريني تَجِئْني مِيتتي مطمئنةً ... ولم أتقحَّمْ هولَ تلك المواردِ

فإن كريمات المعالي مَشُوبة ... بمستودَعات في بطون الأساودِ (٢)

وفي شأنهم وأمثالهم يقول الإمام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه الله-:


(١) وقد ضرب بعض العلماء مثلًا لخسيس الهمة، فقال:
هب أن الكلب قال للأسد: "يا سيد السباع! غيِّر اسمى فإنه قبيح"، فقال له: "أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم"، قال: "فجربني"، فأعطاه شقة لحم، وقال: "احفظ لي هذه إلى غدٍ، وأنا أغير اسمك"، فجاع، وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر، فلما غلبته نفسه، قال: (وأي شيء باسمي؟!، وما "كلب" إلا اسم حسن)، فأكل.
قال ابن الجوزي -رحمه الله- معلقًا: (وهكذا خسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على أجل الفضائل .. فالله الله في حريق الهوى إذا ثار، وانظر كيف تطفئه) اهـ.
(٢) أساود: جمع أسود، وهو العظيم من الحيات، وفيه سواد، وهو أخبثها وأنكاها.

<<  <   >  >>