للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نكالًا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنا كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالاسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله وفي رواية: (يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالِإسلام، فلن نبتغي العز بغيره").

ودخل أعرابي رث الهيئة بالي العباءة على أمير المؤمنين معاوية -رضى الله عنه-، فاقتحمته عينه، فعرف الأعرابي ذلك في وجه معاوية -رضي الله عنه-، فقال: "يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك، ولكن يكلمك مَن فيها"، فأدناه فإذا به مِدْرَهُ (١) فصاحة في القول وبلاغة، فجعله من خاصته.

والأمثلة على ما ذكرنا كثيرة حفلت بها تراجم العلماء العاملين، فمن

أمثلة ذلك أن الِإمام شيخ الِإسلام النووي -رحمه الله- كان إذا رآه الرائي ظنه شيخًا من فقراء سكان القرى، فلا يأبه له، ولا يخيل إليه أنه شيء يذكر، فإذا سمعه يُدَرِّس أو يقرر أو يحدِّث فغر فاه، وحملق بعينيه عجبًا من هذه الأسمال أن تنكشف عن جوهر نفيس، وعبقرية نادرة في العلم والزهد والتقوى، ولا عجب فالتراب مكمن الذهب، ولكن الناس في كل زمان ومكان يغرهم حسن الهيئة، وجمال الهندام، فإذا رَأوْا مَن هذه صفته وَقَّروه وعظموه قبل أن يعرفوا ما وراء هذه البزة، وقد يكون فيها نخاع ضامر، وفكر بائر، وقلب حائر:

ترون بلوغ المجد أن ثيابكم ... يلوح عليها حسنها وبَصيصُها

وليس العلى درَّاعةً ورداءها ... ولا جُبَّة موشية وقميصها

وقال المتنبي:

لا يُعجبنَّ مُضيمًا حُسْنُ بَزَّتِهِ ... وهل تروقُ دفينًا جَوْدَةُ الكَفَنِ؟


(١) المِدْرَه: السيد الشريف، والمُقْدِمُ عند الخصومة والقتال.

<<  <   >  >>