للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا المجد القديم توارثته ... بناةُ السوء أوشك أن يضيعا

وقال عبد الله بن معاوية:

لسنا وإن كرُمت أوائلنا ... يومًا على الأحساب نتكلُ

نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلَ ما فعلوا

وكبير الهمة لا يضيره ألا يكون ذا نسب، بل لا يضيره أن يمت بآصرة اللحم والدم إلى قوم لئام غير كرام، إذا كان بعلو همته ينتسب إلى الكرام:

قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "كل كرم دونه لؤم، فاللؤم أولى به، وكل لؤم دونه كرم، فالكرم أولى به".

تريد: أن أولى الأمور بالِإنسان خصالُ نَفسه، وإن كان كريمًا وآباؤه لئام، لم يضره ذلك، وإن كان لئيمًا وآباؤه كرام، لم ينفعه ذلك.

واهًا لحُرٍّ واسعٍ صدرُه ... وهمُّهُ: ما سرَّ أهلَ الصلاحْ

سَوَدَهُ إصلاحُه سِرَّه ... وردعُه أهواءَه، والطِّماحْ (١)

وتكلم رجلٌ عند "عبد الملك بن مروان" بكلام ذهب فيه كُلَّ مذهب، فأعجب عبدَ الملك ما سمع من كلامه، فقال له: "ابنُ مَنْ أنت؟ " قال: "أنا ابنُ نفسى يا أمير المؤمنين، التي بها توصلتُ إليك"، قال: "صدقت"، فأخذ الشاعر هذا المعنى، فقال:

مالَي عقلي، وهِمتي حَسَبي ... ما أنا مَوْلى ولا أنا عربى

إذا انتمى مُنتمٍ إلى أحد ... فإنني منتم إلى أدبي

وكبير الهمة لا يُلْفَى "عظاميًّا" مفتخرًا بالآباء والأجداد الذين صاروا عظامًا ورفاتًا:


(١) طَمَحَ الماءُ طُموحًا، وطِماحًا: ارتفع، ويقال: طمح ببصره: رفعه وحَدَّق، وطمح إلى الأمر: تطلَّع، واستشرف، وطمح في الطلب: أبعد.

<<  <   >  >>