للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رتَّب تعالى الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، كما قال -عز وجل-: {فإذا نفِخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}، وقال - صلى الله عليه وسلم -:" .. ومن بطَّأ به عمله؛ لم يُسرع به نسبه" (١)، معناه: أن العمل هو الذي يبلُغ بالعبد درجات الآخرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "يأمر الله بالصراط، فَيُضرب على جهنم، فيمر الناس على قدر أعمالهم زمرًا زمرًا، أوائلهم كلمح البرق، ثم كمرِّ الريح، ثم كمر الطير، ثم كمر البهائم، حتى يمر الرجل سعيًا، وحتى يمر الرجل مشيًا، حتى يمرآخرهم يتلبَّط على بطنه، فيقول: "يا رب لم بطَّأت بي؟ " فيقول: "إني لم أبطىء بك، إنما بطَّأ بك عملك" (٢) [حسن]، وها هو - صلى الله عليه وسلم - يحرض أهل بيته وعشيرته الأقربين على لزوم التقوى، ويحذرهم من الاتكال على نسبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أشرف أنساب العالمين- فتقصر خطاهم عن اللحوق بالسابقين من المتقين، كي يجتمع لهم الشرفان: شرف التقوى، وشرف النسب:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بنَ عبد المطلب! لا أغني عنكَ من الله شيئًا، يا صفيةُ عمةَ رسول الله! لا أغني عنكِ من الله شيئًا، يا فاطمةُ بنت محمد! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنكِ من الله شيئًا" متفق عليه،


(١) عَجُز حديث رواه مسلم وغيره.
(٢) وقد ورد مرفوعًا وموقوفا، انظر: "الدر المنثور" (٤/ ٢٨١)، "شرح الطحاوية" (٢/ ٦٠٦) ط. الرسالة.

<<  <   >  >>