للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصدره، فيستعجل ويسارع فيتّهم هذا، أو يسبّ ذاك، فيندم ويحصد ثمرة عجلته وعدم تثبته، ولو أنه تأنَّى، وتبيَّن، وتثبَّت؛ لأدرك مصدر الأذى على حقيقته، وحينئذ يصدر التصرف على أساس البينة والبرهان، فلا يفقد أصدقاء له، ولا يضيف إلى أعداءه عدواً جديداً منهم.

ويدخل في العجلة وعدم التثبت تعجل الإنسان في المدح أو الذم، دون دراية أو دون موجب لذلك، أو يتعجل بالكلام قبل أن يديره على عقله، أو بالفتوى قبل أن يعرف دليله وبرهانه الذي اعتمد عليه، وبنى عليه فتواه، وبعد ذلك يحصد الغم والأسف (١)، {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً} (٢).

ولعظم أمر الأناة والتبين التي أمر الله بها حتى في جهاد الكفار في سبيل الله الذي هو من أعظم وسائل الدعوة إلى الله تعالى، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (٣).

ومن المعلوم أن الأمور قسمان: أمور واضحة، وأمور غير واضحة.

فالواضحة البينة لا تحتاج إلى تثبيت وتبين، لأن ذلك تحصيل حاصل.

وأما الأمور المشكلة غير الواضحة فإن الداعية خاصة والمسلمين


(١) انظر: موسوعة أخلاق القرآن الكريم، ٣/ ٢٦، وفي ظلال القرآن، ٦/ ٣٣٤٢.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ١١.
(٣) سورة النساء، الآية: ٩٤.

<<  <   >  >>