للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا طبَّق الصحابة هذه السياسة، فقد كان عبد الله بن مسعود يُذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لودِدْتُ أنك ذكرتنا في كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملّكم، وإني أتخوَّلُكم بالموعظة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلنا بها مخافة السآمة علينا (١).

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يسّروا ولا تُعسّروا، وبشّروا ولا تُنفِّروا)) (٢).

الطريق الثاني: ترك الأمر الذي لا ضرر فيه ولا إثم، اتقاءً للفتنة، فقد يجد الداعية قوماً استقر مجتمعهم وعاداتهم على أشياء لا تخالف الشريعة؛ ولكن فعل غيرها أفضل، فإذا علم الداعية أنه سيحصل فتنة إذا دعا إلى ترك هذا الأمر أو فعله فلا حرج ألاَّ يدعو، فقد ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - اجتناباً لفتنة قومٍ كانوا حديثي عهدٍ بجاهلية، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فَهُدِمَ، فأدخلت فيه ما أُخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً

شرقياً، وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم)) (٣).

وفي رواية: ((إن قومك قصرت بهم النفقة) قلت: فما شأن بابه


(١) البخاري، كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة، برقم ٧٠.
(٢) البخاري، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة، برقم ٦٩، ومسلم، كتاب الجهاد، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم ١٧٣٤.
(٣) البخاري، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، برقم ١٥٠٩، ومسلم، في الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، برقم ١٣٣٣.

<<  <   >  >>