للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكاشفات والتأثيرات، أو نيل تعظيم الناس له ومدحهم إياه، أو غير ذلك من المطالب.

وقد عرف أن ذلك لم يحصل بالإخلاص لله، وإرادة وجهه، فإذا قصد أن يطلب ذلك بالإخلاص لله وإرادة وجهه كان متناقضاً؛ لأن من أراد شيئاً لغيره فالثاني هو المراد المقصود بذاته، والأول يراد لكونه وسيلة إليه، فإذا قصد أن يخلص؛ ليصير عالماً، أو عارفاً، أو ذا حكمة، أو متشرفاً بالنسبة إليه، أو صاحب مكاشفات وتصرفات، ونحو ذلك، فهو هنا لم يرد الله، بل جعل الله وسيلة له إلى ذلك المطلوب الأدنى، وإنما يريد الله ابتداء من ذاق حلاوة محبته وذكره (١).

وقال ابن تيمية - رحمه الله -: ((وقد روي: إذا زهد العبد في الدنيا وكل الله - سبحانه - بقلبه ملكاً يغرس فيه آثار الحكمة كما يغرس أكار (٢) أحدكم الفسيل في بستانه)) (٣).

أما من لم يعمل بالعلم، أو عمل به ولكنه لم يخلص في ذلك فهذا بعيد عن إيتاء الحكمة التي من أوتيها فقد أُوتي خيراً كثيراً؛ ولهذا قال الشاعر:

وكيف يصح أن تُدعى حكيماً ... وأنت لكل ما تهوى ركوب (٤)

[المطلب الثالث: الاستقامة]

الاستقامة: كلمة جامعة تشمل الدين كله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا


(١) درء تعارض العقل والنقل، ٦/ ٦٦، ٦٧ بتصرف.
(٢) الأكار: الزارع. انظر: لسان العرب، حرف الراء، فصل الهمزة، مادة: أكر.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل، ٨/ ٥١٨.
(٤) انظر: درء تعارض العقل والنقل، ٩/ ٢٢، ٢٣.

<<  <   >  >>